ابعاد
في كذبة مثيرة للسخرية ادّعت إسرائيل ومعها الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الهجوم على المستشفى المعمداني بغزة الذي أدى لاستشهاد نحو 500 فلسطيني، هو نتيجة هجوم بالخطأ للمقاومة، لتنضم هذه الواقعة لتاريخ طويل من أكاذيب إسرائيل بشأن المذابح التي ارتكبها بحق العرب، وهي أكاذيب بدأت منذ القدم تقوم على نهج دعائي مدروس له جذور طويلة الأمد في الحضارة الغربية.
لن تكون هذه أول مرة تكذب فيها إسرائيل بشأن مذبحة ارتكبتها، فهذا النهج قديم، ومقصود وليس عشوائياً، وعادة تساعده فيه الإدارة الأمريكية والإعلام الغربي، بهدف تخفيف وطأة مذابحها على الرأي العام الدولي، وهذا ما حدث من قبل مع حادثة مذيعة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.
إسرائيل تعترف بقصف المستشفى المعمداني ثم تتراجع بعد تبينت حجم المذبحة
عقب مذبحة المستشفى المعمداني، سارع حنانيا نفتالي، المساعد الرقمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البداية عبر موقع “X” (تويتر سابقاً) بالاعتراف بأن الاحتلال هو من ارتكب المذبحة، حيث قال: “قصفت القوات الجوية الإسرائيلية قاعدة إرهابية لحماس داخل مستشفى في غزة. ولقي عدد كبير من الإرهابيين حتفهم”.
ثم يبدو أن إسرائيل شعرت بأن هذا المبرر ليس كافياً بالنظر لضخامة المذبحة، إضافة إلى أن المستشفى تابع لهيئة مسيحية إنجليكانية، وبه كنيسة، ما يجعل ادعاء وجود أسلحة للمقاومة به مثيراً للسخرية وغير قابل للتصديق.
ولذا قررت تل أبيب اللجوء لرواية أخرى، إذ غير نفتالي روايته ووصف الانفجار بأنه “غامض” وقال إنه “إما صاروخ فاشل” أو “شيء تم القيام به عمداً للحصول على دعم دولي”.
ثم زعمت إسرائيل أن المذبحة وقعت بسبب صاروخ للمقاومة، حيث خرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليلقي بالمسؤولية على “حماس”.
ولكن من أجل مزيد من الحبكة، قال المتحدثون باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إن “حركة الجهاد الإسلامي” هي المسؤولة عن قصف المستشفى المعمداني بصاروخ سقط بالخطأ.
وكأن حركات المقاومة عندما تطلق صاروخاً تكتب اسمها عليه والذي قرأته أجهزة إسرائيل الاستخباراتية، وهي الرواية التي تبناها الرئيس الأمريكي حيث قال إنه يعتقد أن الصاروخ أطلق من الطرف الآخر، دون أن يقدم أي دليل.
علماً بأن إسرائيل أو أمريكا، لم تقدم أية صورة أو دليل على هذه المزاعم، كما أنها لم تنكر أنها أرسلت إنذارات لإخلاء المستشفى، إضافة لشهادات شهود عيان بأن الهجوم سبقه إطلاق صاروخين استطلاعيين من مقاتلات إسرائيلية.
الفيديو الذي نشرته سحبته بعدما تبين تزييفه
وغرّد حساب “إسرائيل” X بما قال إنه دليل على مسؤولية الجهاد الإسلامي في فلسطين عن الهجوم، قائلاً إنه “من تحليل الأنظمة العملياتية للجيش الإسرائيلي، تم تنفيذ وابل صاروخي معادٍ تجاه إسرائيل، والذي مرّ عبر محيط المستشفى عندما تم قصفه”.
لكن النسخة الأصلية من المنشور تضمنت مقطع فيديو لصواريخ تم إطلاقها من محيط مدينة غزة.
تم حذف الفيديو لاحقاً بواسطة الحساب، بينما أشار المحللون إلى أن أول إشارة علنية للتفجير كانت في الساعة 7.20 مساءً بالتوقيت المحلي، في حين أن الفيديو الذي شاركته إسرائيل كدليل تم ختمه بالوقت بين الساعة 7.59 و8 مساءً بالتوقيت المحلي، حسب ما ورد في تقرير لموقع Midde East Eye البريطاني.
ونشر الحساب نفسه يوم الأربعاء مقطعاً صوتياً وزعه الجيش الإسرائيلي يدعي أنه محادثة بين نشطاء حماس، حيث ناقشوا تدمير المستشفى ونسبوه إلى الجهاد الإسلامي في فلسطين.
أكاذيب إسرائيل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوشارك في الترويج للكذبة بشأن الهجوم على المستشفى المعمداني/رويترز
لكن محمد شحادة، ناشط الحقوق المدنية المقيم في غزة، والذي كتب عن حماس منذ عقد من الزمن، نشر أن الاقتباس قد تمت ترجمته بشكل خطأ من “إنهم يقولون” إلى “نحن نقول”.
وكتب شحادة: “إنه يصف شائعة وليس دليلاً”، قبل أن يمضي في سرد الأسباب الأخرى للاعتقاد بأن التسجيل الصوتي كان جزءاً من حملة تضليل.
وقال أليكس طومسون، مراسل القناة الرابعة الإخبارية، إن “العديد من الخبراء” أخبروه أن “الشريط الصوتي لنشطاء “حماس” الذين يتحدثون عن عطل الصاروخ مزيف. ويقولون إن النغمة، وتركيب الجملة، واللهجة، والمصطلحات مزيفة لدرجة السخافة”.
شركة تركية متخصصة في صناعة السلاح تحدد نوعه المحتمل
الأهم أن الحجم التدمير الهائل الذي ألحقه الصاروخ بالمستشفى لا يمكن أن يحدث من قبل صواريخ المقاومة التي حال سقوطها في إسرائيل لخسائر بشرية محدود، لأن المقاومة لا تمتلك صواريخ استراتيجية كالتي تمتلكها إسرائيل.
في المقابل، قالت شركة “تروي” التكنولوجية الدفاعية التركية، إن آثار الذخيرة التي استخدمت في قصف المستشفى المعمداني في غزة، فضلاً عن صوت الانفجار وقوّته، “تشير إلى أنها قد تكون تابعة لقنبلة (MK-84)” التي تمتلك قدرات تدميرية، أو قنبلة BLU-109، وكلاهما بحوزة إسرائيل، وهما قنبلتان شديدتا التدمير.
إنه امتداد لنهج يميز العسكرية الأوروبية يعتبر الكذب سلاحاً مشروعاً
هذا الكذب الممنهج ليس جزءاً من سياسة دولة الاحتلال فحسب، بل هو جزء من عقيدة جيش الاحتلال العسكرية والعديد من الجيوش في العالم بما فيها الغربية، ويدرس في الكليات العسكرية وبعض كليات الإعلام، ويعرف باسم الدعاية السوداء.
واستخدمته الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة مراراً، وكذلك ألمانيا النازية، وهو يقوم على أن الكذب جزء من الدعاية الحربية، وبالتالي هو سلاح مشروع.
الطامة الكبرى في ترويج وسائل إعلامية غربية مرموقة لهذه الأكاذيب
ولذا ليس بالغريب لجوء إسرائيل للأكاذيب، فلديها تاريخ طويل من ذلك، ولكن الغريب، تصديق وسائل الإعلام الغربية المرموقة وكذلك المسؤولون الغربيون لهذه الإدعاءات دون حتى محاولة تفنيدها، حيث يقومون بتكرارها ونشرها على نطاق واسع، ما يؤدي لشيطنة حماس والمقاومة ومجمل الفلسطينيين، وبينما يتم تكذيب هذه الإدعاءات أحياناً، فإن النفي لا يكون بنفس حجم الخبر الكاذب، ما يؤدي إلى تأثير على العوام في الغرب، ليقوموا بردود فعل هستيرية، مثل الأمريكي الذي قتل الطفل الأمريكي ذا الأصول الفلسطينية بعشرات الطعنات رغم أنه كان صديقه؛ لأنه صدق أن حماس قطعت رؤوس الأطفال الإسرائيليين.
وقال فرانشيسكو سيبريجوندي، المهندس المعماري والباحث الذي يعمل حالياً في مؤشر المنظمات غير الحكومية الاستقصائية، لموقع ميدل إيست آي البريطاني، إن إسرائيل حريصة على توفير المواد بسرعة للمحللين ليثبتوا الاستنتاجات المفيدة لها.
“من خلال تقديم عدد من “الأدلة” غير المدعومة بأدلة بشكل سريع، على سبيل المثال، لقطات من طائرة دون طيار للموقع، قد يعتمد الجيش الإسرائيلي أيضاً على حرص بعض الجهات الفاعلة في استخبارات المصادر المفتوحة (OSINT) على استخدام أي صورة/مواد/بيانات لنشر محتوى جديد، أو “تحليل” يتم بسرعة، وبالتالي دعم قراءتها للأحداث بشكل مباشر إلى حد ما، التي سرعان ما يتبين أنها أكاذيب.
أشنع الأكاذيب الإسرائيلية بشأن المذابح التي أوقعتها بحق العرب
حماس قطعت رؤوس الأطفال الإسرائيليين.. الكذبة التي تبين عدم صحتها ولكن أثرها مستمر
سيذكر التاريخ كذبة قطع حماس لرؤوس الأطفال الإسرائيليين، كواحدة من أكثر الدعاية الكاذبة تأثيراً في التاريخ، تأثير استمر رغم تبين عدم صحتها، باعتراف الغرب.
روجت إسرائيل كذباً ادعاءً بأن حماس خلال هجوم طوفان الأقصى قطعت رؤوس الأطفال الإسرائيليين، وردت وسائل الإعلام الغربية ورئيس أمريكا جون بايدن الذي يقود بلداً يمتلك أقوى أجهزة استخبارات في العالم هذه الكذبة وراءها دون أية محاولة للتأكيد أو التمحيص.
ولم يلبث الصحفيون الذين حضروا الجولة التي أشرفت عليها السلطات الإسرائيلية في الكيبوتس الواقعة بالقرب من غزة، أن دحضوا هذا الادعاء، وقالوا إنهم لم يروا أي جثث مقطوعة الرأس، وإن جنوداً إسرائيليين هم من رموا هذا الادعاء. لكن لما تزايدت الضغوط في المطالبة بأدلة على هذه المزاعم، تمسك الجيش الإسرائيلي بالصمت المطبق، خلافاً للمعهود عنه.
مراسلة شبكة “سي إن إن” الأمريكية سارة سيدنر التي رددت الرواية ونشرتها، تأسفت بعد تبين كذب الرواية عند إذاعتها على بث مباشر.
وقدمت سارة سيدنر اعتذاراتها على موقع “إكس” بقولها: “قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه تم التأكد من قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال والرضع بينما كنا على الهواء مباشرة. وتقول الحكومة الإسرائيلية اليوم إنها لا تستطيع تأكيد قطع رؤوس الأطفال… كان يجب أن أكون أكثر حذراً في كلماتي. أنا آسفة”.
ولكن المثير للدهشة أن وسائل الإعلام العربية الكبرى تداولت بسذاجةٍ وقحة هذه الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس قطعت رؤوس 40 طفلاً في هجومها.
فهذه الادعاءات غير العادية كانت تتطلب أدلة موثوقة، إلا أن وسائل الإعلام في الغرب يبدو أنها لم تعبأ كثيراً بذلك ما دام الأمر يتعلق بتشويه سمعة الشعب الفلسطيني، حسب ما يقول الكاتب والصحفي البريطاني جوناثان كوك، الذي له ثلاثة كتب متعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في مقال نشره موقع Middle East Eye البريطاني.
وبث الرئيس الأمريكي جو بايدن مزيداً من الحياة في الخبر المزعوم بادعائه أنه شاهد صوراً للضحايا الذين قطعت رؤوسهم، لكن البيت الأبيض سرعان ما اعترف بأن بايدن لم ير أياً من هذه الصور، واعتمد على معلومات -معلومات مضللة بالأحرى- من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ومع ذلك، يقول المقال إن أي شخص يظن أن هذه المزاعم صدرت بطريق الخطأ حقاً، عليه أن يراجع بعض أساسيات الصحافة، إذ سيدرك حينها أن حملات التضليل إحدى أبرز ساحات القتال في أي حرب، وهو أمر يدركه أي صحفي جاد. والقوى الغربية وحلفاؤها لديهم تاريخ حافل من الكذب على وسائل إعلامهم، ويكفي هنا الاستدلال بكذبة أن صدام حسين كان يخفي أسلحة دمار شامل، وهي الكذبة التي استخدمت لتسويغ غزو العراق عام 2003.
نساء في حفل المستوطنة تعرضن للاغتصاب وحماس تستخدم الفلسطينيين كدروع بشرية
الصحافة الغربية نشرت اتهامات أخرى لا أساس لها في الهجوم على حماس، مثل المزاعم بأن بعض مرتادي الحفل قد تعرضن للاغتصاب.
إلا أنهم اضطروا أيضاً للتراجع عن هذا الادعاء بعد تبيُّن كذبه.
إحدى أكاذيب إسرائيل الشائعة في الغرب والتي رددها الرئيس الأمريكي هي أن حماس، تستخدم المدنيين دروعاً بشرية لإخفاء الأسلحة والأنفاق، وليس هناك مصدر فلسطيني أو إعلامي غربي أو عربي موجود في غزة يقول ذلك، ولا مصدر أممي، كما أن الغارات الإسرائيلية على الأهداف المدنية لم تؤد لخسائر تذكر للمقاومة، وهو ما يبدو في البيانات الإسرائيلية، ومن المعروف أن بنية المقاومة وأسلحتها باتت مخفية بشكل كامل في شبكة أنفاق واسعة تطلق عليها إسرائيل “مترو حماس”.
كما أنه جدير بالذكر أن الإعلامي المصري باسم يوسف قال إنه سأل أقارب زوجته الفلسطينية المقيمين في غزة، هل منعتكم حماس من مغادرة منزلكم الذي دمره الإسرائيليون فأجابوه بنفي قاطع.
نشر صور لأطفال فلسطينيين على أساس أنهم إسرائيليون
ووزع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي صورة مشوشة، نشرتها صحيفة “التلغراف” البريطانية، وزعم أنها صورة لطفل ميت. إلا أن الصورة لم تكن فيها أية علامة واضحة على أن الطفل قد قطعت رأسه.
أما الصورة التي نشرتها صحيفة “التايمز” البريطانية في صدر صفحتها يوم الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول، فكانت دليلاً آخر على شدة تواطؤ وسائل الإعلام في التلاعب بمشاعر الناس. إذ كتبت الصحيفة في العنوان: “إسرائيل تعرض رضّعاً مشوهين”. إلا أن هذا العنوان ذاته مضلل، فإسرائيل لم تعرض هذه الصورة. والحقيقة أن الأطفال الملطخين بالدماء في الصورة لم يكونوا إسرائيليين، بل كانوا أطفالاً فلسطينيين، يغطيهم غبار الركام ودماء القصف الإسرائيلي على غزة.
ادعوا أن المقاومين الفلسطينيين قتلوا شيرين أبو عاقلة
كان السؤال الأول الذي تم توجيهه إلى المتحدث باسم جيش الاحتلال عندما زعم أن المستشفى المعمداني قصف بصاروخ للمقاومة يتعلق بالتشابه اللافت بين رد الفعل الإسرائيلي على قصف المستشفى وبين رد الفعل على جريمة اغتيال مراسلة قناة الجزيرة، الراحلة شيرين أبو عاقلة.
وفور ورود الأنباء عن استشهاد الإعلامية شيرين أبو عاقلة وهي ترتدي درع وخوذة الإعلام برصاصة قناص في رقبتها في 11 مايو/أيار 2022، اتهمت إسرائيل حينها مقاومين فلسطينيين في جنين بإطلاق الرصاصة القاتلة، قبل أن تعترف لاحقاً بأن الرصاصة القاتلة إسرائيلية.
ورفضت إسرائيل إجراء تحقيق لتحديد هوية القاتل حتى الآن، رغم وضوح المؤشرات على أن العملية عمدية، لأنها أصيبت برصاصة في الرقبة غير المحمية وفي منطقة لا يوجد بها إطلاق نار، والأهم أن الإسرائيليين كانوا يعرفون بموقعها هي وزملائها، كما أنها كانت ترتدي زياً يوضح أنها إعلامية.
أنكرت مسؤوليتها عن مقتل محمد الدرة رغم اعترافها في البداية
من الأمثلة الفجة لمسلسل الأكاذيب الإسرائيلية بشأن المذابح التي أوقعتها بحق العرب، اغتيال الطفل الفلسطيني محمد الدرة، البالغ من العمر 12 عامًا، في سنة 2000، وهو أحد الأحداث المحورية للانتفاضة الفلسطينية الثانية التي وقعت بين عامي (2000-2005).
أثارت لقطات الصبي وهو ينكمش مع والده وسط إطلاق النار ثم سقوطه ميتاً غضباً دولياً، ولا تزال صورته صورة أيقونية تمثل أوضح تجسيد لقمع إسرائيل للفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن الإسرائيليين قبلوا في البداية المسؤولية عن وفاته، بما في ذلك اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إيهود باراك -ولكن ادعوا أنه تم استخدامه كدرع بشري- ثم تراجعوا عن ذلك لاحقاً في عام 2005.
تم تبادل الادعاءات والادعاءات المضادة، حيث ادعى البعض أن قناة فرانس 2، التي بثت اللقطات في البداية، هي التي قامت بتلفيق الحادث. وأصدرت الشركة عدداً من دعاوى التشهير الناجحة رداً على ذلك.
وقال طلال أبو رحمة، المصور الذي صور اللقطات، لقناة الجزيرة في عام 2020: “كان هناك الكثير من الحديث عن هذا الفيديو، وادعاء أنه مزيف. لكن الأشخاص الذين يقولون هذا لم يعرفوا المنطقة حتى”.
“كانت هناك مكالمات وتحقيقات كثيرة معي حول مدى صحة الصور. وكانت لديّ إجابة واحدة لهم: الكاميرا لا تكذب”.
مذبحة قانا.. ضربت أطفالاً ونساءً لاذوا بمقر للأمم المتحدة
إحدى أكبر وأفظع المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي عبر تاريخه، سميت بـ”مجزرة قانا الأولى”، ووقعت يوم 18 أبريل/نيسان 1996 بمركز قيادة فيجي التابع للأمم المتحدة في قرية قانا بجنوب لبنان، خلال عدوان عسكري إسرائيلي على هذا البلد أطلق عليه إسرائيلياً “عملية عناقيد الغضب”.
خلال العملية، قصفت إسرائيل جنوب لبنان وبيروت بوحشية، وفي يوم 18 من أبريل/نيسان 1996 ونتيجة لكثافة ودموية القصف، لجأ مئات اللبنانيين معظمهم نساء وأطفال هرباً من القصف إلى مركز تابع لقوات الأمم المتحدة بقرية قانا، ظناً منهم أنها ستحميهم، وأن إسرائيل ستمتنع عن ملاحقتهم وقتلهم في مركز أممي محمي بموجب القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
وبعد الثانية ظهراً بقليل يوم 18 أبريل/نيسان صوبت إسرائيل مدافعها نحو الكتيبة الفيجية التابعة للأمم المتحدة -حيث يحتمي مئات المدنيين- فقتلت منهم 106، وأصابت نحو 150 شخصاً بجروح وعاهات وإصابات بدنية ونفسية متفاوتة الخطورة.
ثم ادعت أن حزب الله هو السبب في قصف مؤيديه
سارعت إسرائيل إلى تحميل حزب الله مسؤولية سقوط ضحايا من المدنيين، وقالت إن قصف قانا جاء رداً على صواريخ كاتيوشا أطلقها الحزب من موقع قريب من المعسكر.
وتعرضت قرية قانا لمجزرة أخرى فجر 30 يوليو/تموز 2006 خلفت 57 قتيلاً على الأقل أكثرهم من الأطفال، كانوا قد لجؤوا لبناية هرباً من القصف الإسرائيلي الذي تشنه على قريتهم، في مذبحة عرفت بمجزرة قانا الثانية.
وقد اجتمع مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها أجهضت القرار باستخدام حق النقض (الفيتو).
ثم قالت إنه خطأ في التصويب ولكن تبين وجود طائرات استطلاع إسرائيلية بالمكان
وتفيد تقارير بأن الجيش الإسرائيلي قال في زعم آخر إنه أخطأ بالتصويب لعدم وجود طائرة استطلاع لتحديد أهداف المدفعية بدقة.
ولكن أحد عناصر قوات الطوارئ الدولية صور شريط فيديو يظهر القذائف وهي تنفجر، بينما كانت طائرة استطلاع “إسرائيلية” تحلّق في الجو. وقال شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت قال: “إن الجيش الإسرائيلي لم يكن على علم بوجود مدنيين في مقر الأمم المتحدة”، إلا أن الجنرال موشيه أيلون رئيس الاستخبارات العسكرية قال: “إن ضباط الجيش الإسرائيلي علموا بوجود لاجئين مدنيين في مركز الأمم المتحدة”.
تحقيق أممي يرجح تعمد إسرائيل، وأمريكا تعاقب أمين عام الأمم المتحدة لنشره التقرير
أجرى الجنرال فرانك فان كابين المستشار العسكري في الأمم المتحدة، تحقيقاً رسمياً في موقع المجزرة، ورفعه إلى الأمين العام للأمم المتحدة في حينه الدبلوماسي المصري بطرس غالي، جاء فيه: “استحالة أن يكون قصف القاعدة التابعة لليونيفيل في قانا نتيجة خطأ تقني أو إجرائي فادح، كما ادعى ذلك مسؤولون في الجيش الإسرائيلي”.
وأشار في تقريره إلى احتمال أن يكون مسؤولو الجيش “الإسرائيلي” ممن هم في مركز من مستويات القيادة متورطين بإصدار الأوامر بقصف القاعدة التي كانوا يعلمون أنها تأوي المئات من المدنيين العزل.
وأجرت عدة منظمات عالمية مهتمة بحقوق الإنسان تحقيقات حول المجزرة، وخلصت كلها إلى ترجيح أن يكون القصف متعمداً وليس نتيجة الخطأ التقني الذي ادعته “إسرائيل”.
مارست إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون آنذاك ضغوطاً هائلة على الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي (في ذلك الوقت)، كي لا ينشر التقرير الأممي، ولكنه أصر على نشره، فعاقبته أمريكا بعدم تجديد انتخابه مرة ثانية. وكشف التقرير بوضوح تام عن معرفة وعلم “إسرائيل” بوجود المدنيين في مقر اليونيفيل، وأنها دمرته عن عمد وسبق إصرار وليس عن طريق الخطأ كما زعمت.
بعد قتلها الأطفال في مدرسة بحر البقر قالت إنه هدف عسكري وإنهم أعضاء بمنظمة تخريبية
في صباح الثامن من أبريل/نيسان عام 1970، ارتكبت طائرات الفانتوم الإسرائيلية الأمريكية الصنع مجزرة بشعة بحق تلاميذ مدرسة بحر البقر بمحافظة الشرقية المصرية، حيث أدى الهجوم إلى مقتل 30 طفلاً وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماماً، وكان هدف الهجوم الضغط على مصر لوقف حرب الاستنزاف، والقبول بمبادرة روجرز الأمريكية، وتم رغم وجود جهود دبلوماسية جارية في ذلك الوقت حول تهدئة الصراع.
بعد وقوع الحادث مباشرة، صرّح المتحدث العسكري من تل أبيب “بأن الطائرات الإسرائيلية لم تضرب سوى أهداف عسكرية في غارتها على الأراضي المصرية”.
ثم صرّح موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أن “المدرسة التي ضربتها طائرات الفانتوم هدف عسكري”، وادعى قائلاً إن المدرسة كانت قاعدة عسكرية، وإن المصريين يضعون الأطفال فيها للتمويه”.
وجّه يوسف تكواه، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة في ذلك الوقت، رسالة للمنظمة الدولية، كتب فيها: “تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكري”. وقال راديو إسرائيل عن الضحايا: “إنهم كانوا أعضاءً في منظمة تخريبية عسكرية”.
كان تعليق الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت بأنها “أنباء مفزعة”، مضيفة أن هذه الحادثة الأليمة تعتبر “عاقبة محزنة يؤسف لما لها من عواقب، وذلك لعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار”.
مجزرة صابرا وشاتيلا.. والزعم بأنها غير مقصودة
عام 1982 شهد مخيما صبرا وشاتيلا للّاجئين الفلسطينيين في لبنان أعمال قتل جماعية، استمرت ثلاثة أيام 16 و17 و18 سبتمبر/أيلول، وراح ضحيتها مئات القتلى، والتي تعد من أبشع المجازر التي شكلت صدمة جماعية، لا تزال آثارها محفورة في ذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين.
وُجّهت الاتهامات بارتكاب أعمال القتل، إلى ميليشيات لبنانية دخلت إلى مخيمي صبرا وشاتيلا بعد يومين على اغتيال قائد “القوات اللبنانية” المُنتخب رئيساً للجمهورية بشير الجميّل، ولكن التنفيذ جرى بتوجيه وتسهيل من قبل الجيش الإسرائيلي في لبنان المتحالف مع هذه الميليشيات، والذي كان يقوده شخصياً وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون.
اختلفت الأرقام والمصادر التي وثّقت عدد القتلى في المخيمين المتجاورين، ولكنها تتراوح بين 300، حسب تقدير لجنة تحقيق شكلتها إسرائيل برئاسة رئيس المحكمة العسكرية يتسحاق كاهان، وبين أكثر من 3 آلاف قتيل، حسب مصادر أخرى منها “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، بينما ذكرت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية أن عدد القتلى المؤكد هو 328 شخصاً، وأن 991 شخصاً اعتبروا في عداد المفقودين.
فيما نشرت الباحثة بيان نويهض الحوت، بناءً على توثيق شهادات وأحداث المجزرة بالأرقام والأسماء أن عدد القتلى الذين استطاعت توثيق أسمائهم، بلغ 906، بالإضافة إلى 408 أشخاص في عداد المفقودين والمخطوفين.
وكان من الصعب إجراء إحصاء دقيق لعدد القتلى، بسبب استخدام الجرافات لدفن عدد كبير من الجثث.
جرى تصوير المجزرة على أنها ردّ فعل ثأري من مقاتلي “القوات اللبنانية” -الجناح العسكري لحزب الكتائب اللبناني- على اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميّل، رغم أن منفذ الاغتيال قبض عليه ولم يكن فلسطينياً.
ولكن هناك مؤشرات قوية على أن المجرزة متعمدة، حسب ما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
عام 2018، تناقلت وسائل إعلام وثيقة قيل إنها الملحق السري لتقرير لجنة كاهان، والذي بقي طي الكتمان إلى أن نشره باحث أمريكي في جامعة كولومبيا، يدعى سيث أنزيسكا.
وجاء في الوثيقة أنه قبل يومين على اغتيال بشير الجميل خلال لقاء جمعه بشارون. قال الأخير لبشير الجميّل: “يجب تهيئة الظروف التي ستؤدي إلى مغادرة الفلسطينيين”.
كتاب “كرة الثلج.. أسرار التدخل الإسرائيلي في لبنان” للمراسل الصحافي الإسرائيلي شيمون شيفر الذي صدر عام 1985، يذكر محضر اجتماع بين قادة عسكريين إسرائيليين ومسؤولين في الكتائب بعد أقلّ من يومين على انتهاء المجزرة.
خلال الاجتماع طلب رئيس الأركان الإسرائيلي رفاييل إيتان من الكتائبيين تصوير ما حدث على أنه اشتباك مع مقاتلين من منظمة التحرير، وأنّ “الأمر خرج عن السيطرة”.
وردّ المسؤول الكتائبي جوزف أبو خليل بالقول: “ما تريدونه هو أن نأخذ الموضوع على عاتقنا، وفي الوضع السياسي الحالي هذا غير ممكن”.