ابو نرجس الكعبي
منذ ان بدأت حرب 7 أكتوبر التي شغلت العالم، وعلى وجه الخصوص الدول المتاخمة للصراع، ولكل طرف رؤيته في سبب بدء الحرب وتوقيتها، فالجانب الفلسطيني حاول جاهدا ان لاتشتعل حسب وجة نظره، وخاصة السلطة الفلسطينية وكذلك حماس، رغم استعداداتها من قبل عملية سيف القدس، حسب وجهة نظرهم المستشفة من التصريحات، لكن الاستفزازات والاعتداءات، وصعود حكومة متطرفة على سدة الحكم في الجانب الاسرائيلي كانت تنذر بالأسوأ. وإسرائيل هي الاخرى تقول نحن حاولنا تجنب ذلك، من خلال عمليات نشر السلام كما تدعي (التطبيع) مع الدول العربية برغم تجاهلها حقوق الفلسطينيين- وقد مهدنا للتعايش السلمي، من خلال ما كنا نحاول ان نقدمه للفلسطينيين (وهي تقصد سلطة ابو مازن وفلسطينيي 48).
لكن بعد عملية طوفان الأقصى، بدأت الامور تأخذ منحى اخر، حيث سرعان ما أعلنت تل ابيب الحرب من دون تردد، وهذا يكشف عن النيات المبيتة، ويؤكد على ان الامر دبر بليل، وأنها كانت بانتظار ان تفقد حماس رباطة جأشها، وتقوم بهجوم غير محسوب، لكي تكمل صفقة القرن ومسلسل التطبيع، من خلال تعاون مع الدول المطبّعة، وأنه ان الاوان لهذه الدول ان تُظهر مدى قدرتها على تكملة خطوات ما بدأوا. اما حماس برباطة جأش عالي فقد كانت العملية التي قامت بها، تفوق حسابات بيت العنكبوت وما نسجته من شباك، فقد تحركت المقاومة بطريقة ممنهجة ومباغتة، حملت معها الكثير من المفاجآت للإسرائيليين وشركائهم، فقد غيرت توازن المعادلة وأخلّت بالبوصلة الدولية، في منطقة قد خسرت اسرائيل وحلفاؤها الكثير من الملفات والاستثمارات، مع وجود عناصر ضغط متمثلة بالاحتلال الاقتصادي للتنين الأحمر، وزحفه بالحزام والطريق، وتسارع التحالفات للدب الروسي مع بعض الدول الأفريقية، فضلا عن دعمها ومساندتها الدولة الاكثر استقلالا في المنطقة، والتي عرفت كيف تدير الصراع منذ اربعة عقود ونيف (الجمهورية الإسلامية في ايران).
فإن شدة القصف واستمرار العمليات الجوية، مع عدم اخذ القرار بالاجتياح البري، ومحاولة تصفية قيادات حماس، على غرار ما فعلوه بقادة المقاومة الاسلامية من قبل، وتدمير البنية التحتية بحجة الانفاق، واستمرار المفاوضات مع الدول المتحدثة نيابة عن الفلسطينيين وغيرها، هو يؤكد ما نقول، فهم يبحثون عن صيغة جديدة لتغيير ديموغرافية غزة، فضلا عن المنطقة. وهناك الكثير من الأدلة على ذلك، فان اخذ رهائن إسرائيليين، واحد من الامور التي تزيد التفاوض تعقيدا، وتؤخر عملية الاجتياح البري، وتؤكد على ان المقاومة على علم بحقيقة ما يدبر، وان عدم قدرة الدول الحاضنة لحماس وغيرها، امثال قطر والامارات ومصر والأردن، من ان تضغط على المقاومة، وانها لا تملك عنصر تفاوض غير الخذلان والكلمات الفضفاضة، ما جعلها تأخذ دور المراقب السري، وجعل ايجاد بديل شرعي مقنعا وضد نوعي بقوة حماس غير ممكن، فإن اية حكومة إسرائيلية تقوم بعد الحرب، تحتاج هذا الضد النوعي، كما ان طبيعة ماتسمى الدولة الإسرائيلية قائمة على الصراعات ومن دونها تنحل. علما ان الدول المستثمرة في الحرب لم تقدم شيئا للإسرائيليين، لعدم ثقتهم بأمريكا التي خذلت شركاءها في العراق وسوريا، ومن جانب اخر فإن السلطة الفلسطينية تعاني من الشيخوخة، ما يصعّب ايجاد بديل. وكل ذلك يجعل امد الحرب ونوعها، يعتمد على مدى تماسك المقاومة والتزام صمود الاسرى، فإن شح البديل قد تبحث بين الاسرى، عن قيادات ذات ولاء للدول المطبّعة، معتمدة بذلك على النعرة الطائفية، خاصة وأن الفشل والخزي اللذين لحقا بحكام المنطقة المتبنين للمقاومة الفلسطينية سابقا، قد أحرجوا العالم الإسلامي، وهم يبحثون عن بديل يغسل هذا العار. وهنا تكتمل الصورة الأخطر، وهي العودة الى الصراع المذهبي، بين قادة الفصائل أثناء الحرب او ما بعدها، والذاكرة حبلى بذلك.