أبعاد
ذكر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أنه حتى لو تم تجنب اندلاع حرب اقليمية، فإن الدعم الامريكي لاسرائيل في الحرب الحالية، أثار غضبا هائلا وألحق الضرر بسمعة الولايات المتحدة التي لن تتمكن من استعادة بعض المصداقية الا من خلال الدعوة الى وقف دائم لإطلاق النار، وذلك في وقت من المحتمل ألا تنجح سياسة “الردع” التي تتحدث عنها واشنطن، حيث تفقد إيران سيطرتها على فصائل المقاومة العراقية المسلحة، ما يرجح استمرارها بشن الهجمات في العراق وسوريا طالما استمرت الحرب في غزة.
وتحت عنوان “اعداء امريكا يتضاعفون يوما بعد يوم”، أشار التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ إلى أنه في الوقت الذي يقوم فيه وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن بجولات مكوكية حول الشرق الأوسط في محاولة لمنع الصراع الاسرائيلي في غزة من ان الانفجار ليتحول إلى حرب اقليمية، فان الولايات المتحدة ارسلت في الوقت نفسه مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات، وقوة استكشافية من المارينز و1200 جندي اضافي الى الشرق الاوسط كوسيلة “للردع”.
وتابع التقرير؛ أن الولايات المتحدة تهدد بمهاجمة أي قوة تأتي للدفاع عن الفلسطينيين من دول اخرى في المنطقة، وهو ما يطمئن اسرائيل الى انها قادرة على الاستمرار في القتل في غزة، مضيفا انه في حال استمرت اسرائيل بذلك فقد تصبح التهديدات الاميركية عاجزة عن منع الآخرين من التدخل، مشيرا إلى أن احتمالات تمدد الصراع من لبنان الى سوريا واليمن والعراق وإيران، كبيرة، وحتى من الجزائر التي قالت انها مستعدة للقتال من اجل تحرير فلسطين بحسب تصويت برلمانها بالإجماع.
ولفت التقرير؛ إلى أن حكومات الشرق الأوسط وشعوبها تنظر الى الولايات المتحدة باعتبارها طرفا في المذبحة في غزة، ولهذا فإن أي عمل عسكري أميركي مباشر سوف يتم النظر إليه باعتباره تصعيدا، ومن المرجح ان يؤدي الى مزيد من التصعيد بدلا من “الردع”.
وفي هذا الإطار، قال التقرير إن واشنطن تواجه مثل هذا المأزق في العراق حيث لا تزال قوات أميركية متمركزة هناك، الى جانب قوة تابعة لحلف “الناتو”، مضيفا أنه منذ سنوات هناك مواجهة محدودة بين القوات الامريكية وقوات الحشد الشعبي، الا ان الفصائل المسلحة مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وغيرها، وبرغم ارتباطها بإيران، فإنها غالبا ما تجاهلت الدعوات الايرانية لوقف تصعيد الهجمات على القوات الامريكية، مضيفا ان هذه الجماعات العراقية لا تحترم قائد فيلق القدس الايراني الجنرال اسماعيل قاآني بقدر احترامها للجنرال قاسم سليماني، ولهذا فإن اغتيال سليماني على يد الولايات المتحدة في العام 2020 ادى الى اضعاف قدرة إيران على كبح جماح الميليشيات في العراق.
وتابع التقرير؛ أنه بعد هدنة استمرت نحو عام بين القوات الامريكية والفصائل العراقية، فان الحرب الاسرائيلية على غزة أدت الى تصعيد جديد لهذه المواجهة في كل من العراق وسوريا، حيث أعادت بعض الميليشيات تسمية نفسها باسم المقاومة الاسلامية في العراق، وبدأت في مهاجمة القواعد الأمريكية في 17 اكتوبر/تشرين الاول، بينما شنّت الولايات المتحدة غارات على عدة مواقع تابعة للفصائل في سوريا وفي العراق نفسه وسقط فيها قتلى، ما أثار انتقادات من الحكومة العراقية نفسها.
واعتبر التقرير البريطاني أنه بخلاف وقف إطلاق النار في غزة او الانسحاب الامريكي الكامل من العراق وسوريا، فانه لا توجد خطوة حاسمة بإمكان الولايات المتحدة أن تقوم بها بما يؤدي الى وقف هذه الهجمات، ولهذا فإنه من المرجح أن استمرار العنف في العراق وسوريا في الارتفاع طالما استمرت الحرب على غزة.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير أن جيش الحوثيين يمثل قوة عسكرية كبيرة وتتمتع بخبرة، مذكرا بطلب زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي في 14 نوفمبر/تشرين من الدول المجاورة فتح ممر عبر أراضيها لقواته لكي تذهب للمشاركة في القتال ضد إسرائيل في غزة. ولفت الى تصريح لنائب وزير الاعلام الحوثي نصر الدين عامر قوله مؤخرا “لدينا مقاتلون يبلغ عددهم مئات الآلاف، وهم شجعان وأقوياء ومدربون وأصحاب خبرة في القتال. ولديهم إيمان قوي للغاية، وحلمهم في الحياة هو قتال الصهاينة والامريكيين”.
وبرغم أن التقرير أشار إلى أنه من المستبعد أن تفتح السعودية الطريق لعبور مئات آلاف المقاتلين من اليمن، إلا أنه لم يستبعد ان تقوم ايران، او أي حليف آخر، بالمساعدة في نقل مجموعات أصغر منهم، جوا او بحرا للانضمام الى القتال. كما لفت التقرير إلى أن الحوثيين يقومون بمهاجمة سفن مرتبطة بإسرائيل، في البحر الأحمر، وأطلقوا صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه اسرائيل.
وتابع التقرير؛ أنه في حين يحاول العديد من اعضاء الكونغرس الامريكي تصوير الحوثيين على انهم مجرد دمى في يد إيران، فإن الحوثيين هم في الواقع قوة مستقلة لا يمكن التنبؤ بما قد تقوم به، ولا تستطيع الاطراف الاخرى في المنطقة السيطرة عليها.
وأضاف التقرير انه حتى تركيا، وهي عضو حليف في “الناتو”، تجد صعوبة في البقاء متفرجة على ما يجري، بالنظر إلى الدعم الشعبي الواسع النطاق لفلسطين، مشيرا الى ان مجموعات المجتمع المدني التركية تقود حملة لارسال المساعدات الانسانية الى غزة على متن سفن الشحن، متحدية مواجهة محتملة مثل تلك التي وقعت في العام 2010 عندما هاجم الإسرائيليون أسطول الحرية، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص على متن السفينة “مافي مرمرة”.
وعلى الحدود اللبنانية، أشار التقرير الى أن إسرائيل وحزب الله يشتبكان يوميا منذ 7 اكتوبر/تشرين الاول، مما أسفر عن مقتل 97 مقاتلا و15 مدنيا في لبنان، و9 جنود و3 مدنيين في اسرائيل، فيما نزح حوالي 46 ألف مدني لبناني و65 ألف اسرائيلي من المنطقة الحدودية.
وتابع التقرير؛ بينما حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت، من أن “ما نفعله في غزة، يمكننا أن نفعله أيضا في بيروت”، وهو تهديد كرره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن التقرير يتساءل عما سيفعله حزب الله في حال مضت إسرائيل بارتكاب مذبحتها في غزة او وسعت اعتداءاتها في الضفة الغربية.
وبينما ذكر التقرير بخطاب للأمن العام لحزب الله حسن نصرالله قال فيه انه “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة” اذا لم توقف اسرائيل حربها على غزة، استعاد أيضا تصريحا لوزير الخارجية الايراني امير عبداللهيان في الدوحة قال فيه انه “خلال اللقاء مع قادة المقاومة، اكتشفت انه اذا استمرت جرائم الحرب والابادة الجماعية الإسرائيلية، فسيتم تنفيذ سيناريو المقاومة الأكثر صرامة وتعقيدا”.
وحذر التقرير من أنه اذا كانت اسرائيل وحلفاؤها يعتقدون أن إسرائيل تنوي فعليا الاستمرار بحربهم على غزة حتى القضاء على حماس، ثم إطلاق آلة الحرب الاسرائيلية على لبنان أو جيرانها الآخرين، فإنهم بذلك سيفضلون خوض حرب أوسع نطاقا، اي انه سيتم اجبار اسرائيل على خوض حرب مع الفلسطينيين وحزب الله وحلفائهم في نفس الوقت، بدلا من انتظار ان تهاجمهم اسرائيل واحدا تلو الآخر.
وأعرب التقرير عن الاسف لان البيت الأبيض لا يستمع؛ مذكرا بتصريح الرئيس جو بايدن الذي دعم تعهد إسرائيل بالاستمرار في تدمير غزة، معتبرا أن محاولة القضاء على حماس هي “هدف مشروع”. لكن التقرير حذر من ان الدعم الاميركي اللامشروط لاسرائيل وتزويدها بامدادات لا نهاية من الأسلحة، لم ينجحا إلا في تحويل إسرائيل الى قوة خارجة عن السيطرة، تزعزع الاستقرار في قلب منطقة هشة محطمة فعليا بسبب عقود من الحروب التي شنتها الولايات المتحدة.
وتابع التقرير محذرا من انه اذا ادت تصرفات اسرائيل الى اندلاع حرب أوسع نطاقا، فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها مع عدد قليل من الحلفاء المستعدين للانخراط في المعركة.
وختم التقرير بالقول؛ إنه حتى في حال تم تجنب انفجار الصراع الاقليمي، فان الدعم الامريكي لاسرائيل قد تسبب بالفعل في ضرر هائل لسمعة واشنطن في المنطقة وخارجها، في حين أن انخراط الولايات المتحدة المباشر في الحرب من شأنه أن يجعلها أكثر عزلة وعجزا من مغامراتها السيئة السابقة في فيتنام وأفغانستان والعراق.
إلا أن التقرير اعتبر أنه لا يزال بإمكان الولايات المتحدة أن تتجنب هذا المصير من خلال الإصرار على تحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية من غزة، مضيفا أنه في حال لم توافق على ذلك، فإنه سيتحتم على واشنطن أن تكون أولويتها وقف المذبحة، وان تعلق بشكل فوري تسليم الاسلحة والمساعدات العسكرية، وتقديم الدعم الدبلوماسي للحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين وتجنب نشوب حرب اقليمية، وافساح المجال أمام دول أخرى للمساعدة في التفاوض على تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية.