أبعاد- الكاتب: د. جواد الهنداوي .
تلتقي الزيارتان بمشتركات استراتيجية و تختلفان لظروفهما الاستراتيجية ايضاً ، وأن زيارات الرئيس السابق ترامب الى المملكة العربية السعودية في شهر مايو عام ٢٠١٧ تميّزت بالغطرسة و الابتزاز و الاستبداد ، وكانت لمصلحة اسرائيل اولاً ولمصلحة الخزينة الامريكية ثانياً ، والزيارة القادمة للرئيس بايدن والمتوقعة في منتصف شهر تموز القادم ،سيميّزها الدبلوماسيّة والطلب (ان لم نقل الاستجداء ) ، و الاماني ، ولكن ،ستكون ايضاً لمصلحة اسرائيل ، ولانقاذ الاقتصاد الامريكي و الغربي .
لم يستفدْ العرب اي شئ من زيارات ترامب ،لا على الصعيد الاقتصادي ، و لا على الصعيد السياسي ؛ لم يتمّْ القضاء على ايران او تحجيم قدراتها او تقليص نفوذها ، وتلك كانت من الاهداف الاساسيّة للزيارة ، ومن امنّيات اسرائيل ، وبعض العرب ،الذين كانوا يتوعدون بنقل المعركة الى داخل ايران . اسرائيل و امريكا هما اللّتان انتفعتا استراتيجياً من الزيارات و اللقاءات التي اجراها الرئيس ترامب آنذاك ، وعلى حساب مصالح العرب ،لا على حساب مصالح ايران و لا على حساب مصالح تركيا .
نجحَ الرئيس ترامب في اسناد اسرائيل معنوياً وسياسياً و اقتصادياً ، من خلال توسيع و تعميق مساحة التطبيع العربي الاسرائيلي ،خاصة بعد فقدان اسرائيل قوة الردع العسكري ازاء محور و حركات وفصائل المقاومة.
الزيارات القادمة للرئيس بايدن متممّة لزيارات ترامب
بخصوص مصلحة اسرائيل و مصلحة امريكا اقتصادياً ، ولكنها ( و اقصد الزيارات ) ،ستكون على حساب مصالح العرب ايضاً ،ولكن دون عربدة و دون ابتزاز لسببيّن : السبب الاول يعود لسلوك الرئيس بايدن و ادارته و المختلف عن سلوك الرئيس ترامب و ادارته ، والسبب الثاني حالة التحديات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة الامريكية بسبب حرب اوكرانيا ،و شعور امريكا و الغرب بالفشل في مواجهة الحرب الروسيّة الاوكرانية و تداعيتها الاقتصادية و الاجتماعية .
سيستعرض الرئيس بايدن في هذه الزيارة اكثر مما سيجني ! ستكون زيارة استعراضية سياسيّة موجّه للعالم و موجّه ايضاً للداخل الامريكي قبل الانتخابات القادمة للكونغرس الامريكي والمزمع اجراءها في شهر نوفمبر القادم ؛ موجهّ للعالم كي تؤكد امريكا حضورها الدولي في منطقة الطاقة و مستودع الملفات الساخنة ،والتي تهّمُ روسيا ، والزيارة موجّه ايضاً الى استمالة صوت الناخب الامريكي ، وخاصة اللوبي الصهيوني ،الحريص جداً على مصلحة و امن اسرائيل .
هل سيتّم الاعلان عن تأسيس ناتو عربي اسرائيلي ،او ناتو شرق اوسطي ،خلال زيارة الرئيس بايدن ؟
لا اعتقد بذلك ، و ارى بأنّّ المبالغة في التناول الاعلامي و السياسي للموضوع هو لتبيان مدى اهتمام الرئيس بايدن بمصلحة اسرائيل . كما انَّ التعاون الامني و الاستخباراتي وحتى العسكري بين اسرائيل وبعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية قديم و فاعل ،و لولاه لما توسعّت اسرائيل ، لننظر الى مساحة اسرائيل قبل اتفاقيات اوسلو عام ١٩٩٣ ، ومساحتها الآن عام ٢٠٢٢ ؟ أولمْ تتوسّع اسرائيل بسبب هذه الاتفاقيات التي وفّرت لاسرائيل غطاءاً وتعاوناً عسكرياً و سياسياً…
كذلك يوجد ،ومنذ سنوات ، تعاون عسكري اسرائيلي وخليجي ( اماراتي ) ، وخاصة في مجال التدريبات العسكرية و الطلعات الجويّة ، ومستمر وعلناً . والتعاون و الاجتماعات بين قادة عسكريين عرب و اسرائيليين قديمة وعلنية ومستمرّة .
المبالغة في الترويج الاعلامي عن التعاون العسكري العربي الاسرائيلي هو لتعزيز حضور و معنويّة الكيان الاسرائيلي في المنطقة وفي الوسط العربي ، و خاصة بعد فقدانه لقوة الردع العسكري وفشله في أضعاف قوة و نفوذ ايران و المقاومة ، وكذلك محاولة اسرائيلية لعزل ايران ، و اظهارها بانها العدو و المحتل في المنطقة ، وسبب عدم أمن و استقرار المنطقة ،اي ،بعبارة اخرى ، جعل ايران هي التي ترتدي لبوس اسرائيل ! ولا يوجد في العالم ابرع من امريكا ومن اسرائيل في تزوير الحقائق و في ألباس الحق بالباطل .
زيارة بايدن الى المنطقة و مشاريع التعاون والتطبيع بين بعض الدول العربية و اسرائيل وبرعاية امريكية دليل على عدم وقوع حرب في المنطقة . امريكا وحلفائها واصدقائها الاوربيين و العرب ألجموا اسرائيل و اقنعوها بضبط النفس وعدم المجازفة بحربٍ مع ايران او مع لبنان ، و ما يقدموه لاسرائيل الآن على الصعيد السياسي و الاقتصادي الاّ ارضاءاً لها ،وثمناً لموقفها .