أبعاد- الهام البغدادي
أحدثت جائحة كورونا موجات من الصدمات التي اجتاحت الاقتصاد العالمي، وتسببت في أكبر أزمة اقتصادية عالمية فيما يزيد على قرن من الزمان، وأدت هذه الأزمة إلى زيادة حادة في معدلات الفقر الناتجة عن فصل الموظفين وتقليل رواتب بعضهم فضلاً عن شل حركة بعض التجارات نتيجة الاجراءات الوقائية التي فرضت على العراق والعالم بشكل عام . وتشير الشواهد الأولية إلى أن التعافي من هذه الأزمة سيكون متفاوتاً بقدر تفاوت آثارها الاقتصادية الأولية، إذ تحتاج الاقتصادات الصاعدة والفئات المحرومة اقتصادياً وقتا أطول كثيرا لتعويض ما نجم عن الجائحة من خسائر فقدان الدخل وسبل كسب العيش.
كانت الآثار الاقتصادية للجائحة بالغة الحدة حيث كشفت حالات فقدان الدخل الناجمة عنها عن أوجه الهشاشة الاقتصادية التي كانت قائمة من قبل، بل زادت من تفاقمها. فمع انتشار الجائحة في عام 2020، أصبح من الواضح أن جانباً كبيراً من القطاع الخاص لم يكن مؤهلاً لتحمل صدمة تصيب الدخل من حيث طول أمدها واتساع نطاقها.
أجبر فيروس كورونا المستجد الكثير من الوكالات الإخبارية العراقية وبعض القنوات التلفزيونية غير الحكومية على تسريح بعض موظفيها او تحويل عملهم الى المنزل مع خفض اجورهم.
وبحسب تقرير للمرصد الاقتصادي للعراق في عام 2020 فأن الصدمة المزدوجة لجائحة كورونا (كوفيد – 19) وانهيار أسعار النفط تسببت في بروز تحديات اقتصادية جسيمة ودفعت بالملايين من العراقيين نحو هاوية الفقر ذلك بفعل التقليص المحتمل لفاتورة الأجور العامة والرواتب أن تدفع ما بين 0.4 الى 1.7 مليون عراقي آخر إلى الفقر ما لم يتم تنفيذ إجراءات التقليص على نحو تدريجي وفعال.
“لم اكن أعرف كيف سأستمر بالعيش”
يقول مروان صحفي عراقي- 32 عاماً- لـ”JHR” :” كنتُ اعمل في إحدى الوكالات الصحفية العراقية غير الحكومية في منطقة الكرادة الشرقية بداوم يومي لسبع ساعات متواصلة واتقاضى لقاء عملي600 الف دينار عراقي (410 دولار امريكي)”.
يتابع :” عند دخول العراق في ازمة كورونا سيما في منتصف عام 2020 ، وفرض إجراءات وقائية صارمة من قبل وزارة الصحة، ارتأى مدير التحرير الى تقليص عدد الصحفيين العاملين بالوكالة، وكنتُ انا من ضمنهم”.
يضيف مروان:”كان امراً صادماً ولم اكن اعرف كيف سأستمر بالعيش، لأني كنتُ ملتزم بدفع ايجار سكني، ولديّ التزامات معتمدة اعتماد كامل على الراتب الذي اتقاضاه من الوكالة”.
يسترسل قائلاً:” اضطررت الى ان اتدين من اصدقائي حتى اوفي ايجار السكن وبقيت ابحث عن عمل حتى وجدت عمل لكتابة التقارير الصحفية من المنزل براتب قدره 400 الف دينار (273 دولار امريكي) بعد 4 اشهر من فصلي “.
الاقتصاد العراقي اثناء الجائحة
يقدّر المرصد الاقتصادي للعراق بتقرير اعده بأن الاقتصاد انكمش بنسبة 6.8% خلال النصف الأول من عان 2020 ، بما في ذلك انكماش الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 9.2% بعد أن ألقت إجراءات الإغلاق العام والاحتواء الخاصة بجائحة كورونا بظلالها على قطاع الخدمات.
وفقاً للتقرير، تراجعت إيرادات الحكومة العراقية بنسبة 47% في الشهور الثمانية الأولى من عام 2020 بينما بقيت النفقات مرتفعة نتيجة لفاتورة الأجور العامة والرواتب التقاعدية. وتولّد مثل هذه الالتزامات الصارمة في الموازنة ضغوطاً على احتياجات التمويل الحكومية التي يتوقع أن تصل الى نسبة ضخمة تبلغ 25.8% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2020.
وإدراكاً منها لهذا الوضع، أطلقت الحكومة العراقية في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020 ورقة بيضاء شاملة للسياسات والإصلاحات تطرح مخططاً أولياً للإصلاحات على مدى السنوات ما بين الثلاث الى الخمس القادمة بحيث إذا ما تم تنفيذها ستشكل نقطة انعطاف في الاقتصاد العراقي. وتهدف الورقة البيضاء إلى إعادة التوازن للاقتصاد ووضعه على مساره الصحيح من خلال تمكين الدولة من اتخاذ الإجراءات الضرورية لخلق اقتصاد ديناميكي متنوع. وهذا بدوره سوف يفضي الى خلق فرص عمل تمكن المواطنين من التمتع بمستوى معيشي لائق.
” تحت ذريعة كورونا مؤسسات صحفية تتعمد فصل موظفيها”
يقول المحامي احمد الموسوي لـ”JHR” بأن “بعض المؤسسات الصحفية استغلت أزمة كورونا، وتعمدت فصل موظفيها تحت ذريعة الاختلاط والاجرءات الوقائية، لكن اغلبهم استمروا بإستلام رواتب المفصلون بدون علم الادرات العليا سيما في المؤسسات الصحفية او المنظمات ذات الادارة الخارجية”.
يضيف الموسوي:” لا يحق لأي مؤسسة في القطاع الخاص خلال أزمة (كورونا) الاستغناء عن موظفيها أو حتى إعطاؤهم إجازة بدون راتب إلا بموافقة الموظف نفسه”، مشيراً الى ان بعض الصحفيين لا يقومون بإجراء عقد عمل اثناء عملهم مع المؤسسات الصحفية غير الحكومية مما يؤدي الى ضياع حقوقهم”، داعياً الى ضرورة التزام الصحفي وغيره بإجراء عقد عمل يضمن حقوقه وواجباته عند عمله في مؤسسات القطاع الخاص.
كورونا …
> سيد رزاق:
“زواجي تأجل بسبب فصلي عن العمل”
بالنسبة لعلي عبد الله – 30 عاماً- هو صحفي عراقي يعمل في احدى القنوات التلفزيونية غير الحكومية ، فإن المال الذي كان سيجنيه من وظيفته كان سيمكنه من الزواج.
يقول عبد الله لـ “JHR” إن: ” القناة التي اعمل بها قامت بتسريحي عن العمل اثناء كورونا، وكنتُ مقبلاً على الزواج لكن كل الخطط تأجلت الى أجل غير معلوم”.
يضيف ” كنتُ اتقاضى راتباً يبلغ 800 الف دينار عراقي (547 دولار امريكي) شهرياً لكن بعد فصلي من العمل وبسبب الاجراءات الوقائية الصارمة من قبل وزارة الصحة فلم اجد عملاً يناسبني لمدة 6 اشهر أجلتُ فيها زواجي حتى الوقت الذي اجد فيه عملاً آخر واعوض ما خسرته من مدخراتي اثناء مدة فصلي “.
لم يختلف الحال مع محمد اللامي -29 عاماً- صحفي عراقي يعمل محرراً للاخبار في أحدى الوكالات الصحفية غير الحكومية في بغداد، حيث يقول لـ”JHR”:” اضطررت العودة الى منزل والدي في الديوانية ، بعد أن فُصلت من وظيفتي التي عملتُ فيها لمدة ثلاث سنوات”، مضيفاً بأن ثلاثة من الصحفيين فصلوا من العمل في الوكالة بسبب الفيروس.
يتابع اللامي:” بعد شهرين من فصلي عاودت الوكالة الاتصال لإعادتي للعمل لكن من المنزل مع تخفيض ما كنتُ اتقاضاه الى النصف وبذلك اصبحت اجوري 350 الف دينار عراقي ( 239 دولاراً امريكي) قبلتُ العرض لأن العمل اثناء كورونا اصبح شبه معدوم”.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.