يقول خبراء إن الماء الموجود في الطبيعة يوصل الكهرباء – ولكن هذا بسبب الشوائب الموجودة فيه، والتي تذوب في أيونات حرة تسمح للتيار الكهربائي بالتدفق.
وتصبح المياه النقية “معدنية” – موصلة إلكترونيا – فقط عند ضغوط عالية للغاية، تتجاوز قدرتنا الحالية على إنتاجها في المختبر.
ولكن، كما أوضح الباحثون لأول مرة في عام 2021، ليس فقط الضغوط العالية هي التي يمكن أن تحفز هذا التمعدن في الماء النقي.
ومن خلال ملامسة الماء النقي لمعدن قلوي يتشارك الإلكترون – في هذه الحالة سبيكة من الصوديوم والبوتاسيوم – يمكن إضافة جزيئات مشحونة حرةِ الحركة، ما يؤدي إلى تحويل الماء إلى معدني.
ويستمر التوصيل الناتج بضع ثوان فقط، لكنها خطوة مهمة نحو القدرة على فهم هذه المرحلة من تمعدن الماء من خلال دراسته مباشرة.
وأوضح الفيزيائي روبرت سايدل من Helmholtz-Zentrum Berlin für Materialien und Energie في ألمانيا العام الماضي عندما نُشرت الورقة البحثية: “يمكنك أن ترى الانتقال الى مرحلة الماء المعدني بالعين المجردة!. قطيرة الصوديوم والبوتاسيوم الفضية تغطي نفسها بتوهج ذهبي، وهو أمر مثير للإعجاب”.
وتحت ضغوط عالية بما فيه الكفاية، يمكن أن تصبح أي مادة تقريبا نظريا موصلة. والفكرة هي أنه إذا ضغطت الذرات معا بإحكام كاف، فإن مدارات الإلكترونات الخارجية ستبدأ في التداخل، ما يسمح لها بالتحرك. وبالنسبة للمياه، يبلغ هذا الضغط حوالي 48 ميغا بار – أي أقل بقليل من 48 مليون ضعف الضغط الجوي للأرض عند مستوى سطح البحر.
وبينما تم إنشاء ضغوط تتجاوز هذا في بيئة معملية، فإن مثل هذه التجارب ستكون غير مناسبة لدراسة المياه المعدنية. لذلك تحول فريق من الباحثين بقيادة الكيميائي العضوي بافيل جونغفيرث من الأكاديمية التشيكية للعلوم في تشيكيا إلى الفلزات القلوية.
فتطلق هذه المواد إلكتروناتها الخارجية بسهولة شديدة، مم يعني أنها يمكن أن تحفز خصائص مشاركة الإلكترون في الماء النقي العالي الضغط بدون ضغوط عالية.
وهناك مشكلة واحدة فقط: الفلزات القلوية شديدة التفاعل مع الماء السائل، وأحيانا تصل إلى درجة الانفجار.
ووجد فريق البحث طريقة رائعة جدا لحل هذه المشكلة. ماذا لو تمت إضافة الماء إلى المعدن بدلا من إضافة المعدن إلى الماء؟.
وفي غرفة مفرغة، بدأ الفريق بإطلاق كتلة صغيرة من سبيكة الصوديوم والبوتاسيوم من فوهة، والتي تكون سائلة في درجة حرارة الغرفة، ثم أضافوا بعناية شديدة طبقة رقيقة من الماء النقي باستخدام ترسيب البخار.
وعند التلامس، تتدفق الإلكترونات والكاتيونات المعدنية (أيونات موجبة الشحنة) إلى الماء من السبيكة.
ولم يمنح هذا الماءَ لمعانا ذهبيا فحسب، بل حوّل الماء أيضا – تماما كما ينبغي أن نرى في الماء النقي المعدني عند الضغط العالي.
وتم تأكيد ذلك باستخدام التحليل الطيفي للانعكاس البصري والتحليل الطيفي الضوئي للأشعة السينية السينكروترونية.
واحتلت الخاصيتان – اللمعان الذهبي والنطاق الموصل – نطاقي تردد مختلفين، ما سمح بتحديد كلتيهما بوضوح.
وبالإضافة إلى منحنا فهما أفضل لهذه المرحلة الانتقالية هنا على الأرض، يمكن أن يسمح البحث أيضا بإجراء دراسة عن كثب لظروف الضغط المرتفع الشديدة داخل الكواكب الكبيرة.
وفي الكواكب الجليدية للنظام الشمسي، نبتون وأورانوس، على سبيل المثال، يُعتقد أن الهيدروجين المعدني السائل يدور.