أبعاد- كتب / علي علي
أعلل النفس بالآمال أرغبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
في أعلاه بيت للطغرائي، أراه أقرب ما يكون في تصوير حال العراقيين منذ سنين، إذ عاشوا عقودا في القرن المنصرم لم يعرفوا للاستقرار طعما، ولا للرفاهية رائحة، ولا للطمأنينة لونا، فكانت حياتهم عديمة اللون والرائحة والطعم.
غير أنهم مازالوا بطيبة قلوبهم، يتأملون خيرا في القادم من الأيام، وهم بهذا يرفضون الرضوخ إلى اليأس الذي تجرهم إليه ظروفهم جرا، من الصعب مقاومته والوقوف أمام تياره العارم، والدليل على هذا مامروا به خلال السنين الطويلة التي أقحمهم فيها حكامهم بأنفاق مظلمة، لا يلوح لهم من بشائر الفرج والفرح في نهايتها أي بصيص أمل. وكأن السلاطين الذين توالوا على كراسي الحكم، راهنوا على التحكم بمصائرهم والتسلط بمقدراتهم، ولطالما ردد العراقيون بحسرة وألم ممزوج بالأمل، بيتي الشعر الآتيين:
إذا النَّائبات بلَغْنَ المـدى
وكـادت تذوبُ لهـنَّ المُهجْ
وحلَّ البلاء وبان العزاء
فعند التناهي يكونُ الفرَجْ
ذلك أن الخلافات والاختلافات التي يختلقها ويتبادلها ساستنا بتفنن متقن، أضحت منذ اعتلوا سدة الحكم، ككرة التنس أو الركبي أو المنضدة، يلهون بها ويتمتعون بمزاولتها وقضاء أوقاتهم معها في ملاعب شتى، فتارة في الملعب المسقف المدفأ شتاءً والمبرد صيفًا، وبأحدث وسائل الترفيه الذي يسمى مجازا (قبة البرلمان). وتارة أخرى يحلو لهم التمتع بإجازة بضعة أيام، فلا يبالون لو أرجأوا اجتماعا إلى إشعار آخر، وقد يحلو لهم فيجعلونه إشعارا غير مسمى، ولنا في هذا شواهد كثيرة في مجلس النواب بدوراته كلها.
العراقيون اليوم، يتطلعون إلى كل جديد من الأخبار، لعلها تنقل لهم خبرا يزيل عنهم شيئا من الهموم المترتبة بفعل تدني كثير من جوانب حياتهم، بعد أن خابت آمالهم بالجديد فضلا عن -العتيگ- وما يزيد من خيبة أملهم أنهم يعومون على بحر من خيرات وثروات، تتبدد على أيدي (الجاي والرايح) وزيد وعبيد وشعيط ومعيط، ممن يتسنمون مناصب المسؤولية على أرفع مستواها، فيما يعج البلد بمشاكل وكوارث، كان حريا بالرعاة أن يتسابقوا في حلها، وهو من صلب واجبهم تجاه رعيتهم، لا أن يكونوا السبب في تفاقم بعضها، مستغلين بهذا طيبة قلب العراقيين المعهودة. لقد آن الأوان لهم أن يتحذروا من رد فعل المواطن المسلوب حقه، فالتظاهرات التي يعلو سناها بين الفينة والأخرى ليست آخر المطاف، وإن خفت حدتها، وليحذروا من استجابة دعاء المظلومين على الظالم، وهم عالمون بأي منقلب ينقلب الظالمون، وقد قيل سابقا:
لاتظلمنْ إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
إن قَسَم الوزراء الذي رددوه أمام الله والشعب، وقبله كان قَسَم رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة، لم يكن تصريحا أو خطبة تمر مرور الكرام على مسامع المواطن، فهل هم حقا يحملون النيات السليمة لوطنهم حين أقسموا؟ وهل يعدّون مناصبهم ووظائفهم ومسؤولياتهم تكليفات وطنية وأخلاقية؟ أم يعدّونها فوزا وصفقات وتشريفات تضاف الى مآربهم النفعية!.
مناصبكم ياقادة هو محك لكم في ظرف العراق الحرج الذي يمر فيه سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وأنتم مطالبون بتقويم الأخطاء السابقة، والقضاء على كل مظاهر التلكؤ والإهمال والتقاعس التي توارثتها مؤسسات الدولة من عقود خلت، وكذلك وقبل كل هذا، استئصال الفساد بنوعيه من جذوره، فهل أنت فاعلون؟ أم اللهاث وراء المال والسحت هو ديدنكم في كل الحكومات والدورات! وقد قال شاعر الدارمي:
تلهث تلم فلوس ما تگوللي شتعيش
الچفن هم بي جيب مثل الدشاديش