أبعاد
الكاتب- نعمت مصطفى مجيد
( ماجستير في هندسة الموارد المائية)
لقد أصبح انهيار السدود المائية في مناطق النشاط الزلزالي العالي ليس مجرد احتمالاَ او تنبؤاً بحثيا، بل واقعاً جغرافياً في عالمنا اليوم. لذا فإن الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا ماهو إلا تذكيراً بخطورة إنشاء السدود التركية والإيرانية على منابع كل من نهري دجلة والفرات ،كون تركيا وإيران تقعان في واحدة من أهم المناطق النشطة زلزاليًا في العالم. كما إن منطقة مشروع (GAP) التركي تحتضن صدع أو فالق (الأناضول الكبير) ،وهو خط زلزالي عبارة عن كسر في الصخور يؤدي إلى انزلاقات زلزالية تتدافع بموجبها ألواح صخرية صلبة على امتداد خط الصدع الرأسي، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط حتى تنزلق إحداها في النهاية في حركة تفضي إلى إطلاق قدر هائل من الطاقة التي يمكن أن تتسبب في حدوث زلزال.
كان مركز الزلزال الأخير بقوة (7.5) بمقياس ريختر على بعد (26) كيلومترا تقريبا شرقي مدينة نورداي التركية وعلى عمق لايتجاوز ال (18) كيلومترا عن فالق شرق الأناضول. وأطلق الزلزال موجات باتجاه الشمال الشرقي، مما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسوريا، وخلال القرن العشرين، لم يتسبب فالق شرق الأناضول في نشاط زلزالي كبير. ولم تسجل المنطقة سوى ثلاثة زلازل فقط بقوة ست درجات منذ عام 1970. وعليه عُدّ هذا الزلزال واحدا من اقوى الزلازل على الاطلاق وبأنه الأكبر في تاريخ المنطقة. لقد شهد العالم العديد من الزلازل القوية خلال السنوات الماضية لكن قرب هذا الزلزال من مناطق التمركز السكاني وبالتالي سقوط اعداداً كبيرة من الضحايا هو ماجعله واحدا من أكبر الزلازل التي حدثت في منطقة سكنية في تاريخ الكرة الأرضية.
إن إنشاء مجموعة كبيرة من السدود العملاقة بسعات خزنية هائلة في فترة قصيرة (40-50) سنة سيؤدي الى زيادة فعالية هذا الفالق الرئيسي والفوالق الثانوية الاخرى المعروفة وغير المعروفة مثل فالق (بوزوفا) الذي لا يبعد سوى 3 كم عن جسم سد (اتاتورك) الذي يمثل العمود الفقري لمشروع (الكاب) المقام في المنطقة وله اتجاه موازي لقمة السد حيث لديه إمكانات كبيرة لإحداث زلزالاً بقوة (6.5 – 7.0) درجة على مقياس ريختر او ما يعادل قيمة عامل مجازفة إجمالي مقدراً ب (146.5) ويتم تحديده على أنه خطر من الفئة الثالثة. وبالتالي ستصبح هذه السدود الضخمة عرضة للزلازل الشديدة بسبب تحميل القشرة الأرضية ما هو فوق طاقتها التحمليـة بالإضافة الى الزلازل المسحتثة الناجمة عن تذبذب مياه خزانات السدود.
ان حدوث هكذا زلازل مدمرة بسبب السدود أو انهيار سداً عملاقاً واحداً او اكثر نتيجة هذه الزلازل أو الاعمال التخريبية سيؤدي بلا شك الى كارثة اقليمية ودماراً شاملاً ليس لتركيا فحسب وانما لشرق سوريا وغرب العراق وممكن ان يصل الجدار المائي -كما يسميه الخبراء- إلى الخليج العربي جارفا معه مدناً وقرىً كاملة. حيث ان سعة سد اتاتورك وحده تصل الى (50) مليار متر مكعب أو ما يعادل إيرادات دجلة والفرات لمدة عام كامل، و لتقريب الصورة أكثر لك ان تتخيل حجم الكارثة الناجمة عن جمع مياه النهرين معا لمدة عام كامل واطلاقها في يوم واحد !!.
فبالرغم من الدور الحاسم الذي لعبته السدود في الآونة الأخيرة في تنمية المجتمعات البشرية وتقدم الحضارة بالإضافة إلى دورها الجوهري في الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، فإن استمرار النمو السكاني والمدن ، أدى الى انخفاض مستوى المخاطر المقبولة ، ومن المحتمل أن تتسبب عمليات انهيار السدود في كوارث هائلة.
لذا في هذه الحالة فإن على كل من تركيا وإيران إعادة النظر في سياساتهما المائية مع كل من سوريا والعراق، ليس بسبب معارضتهما فحسب بل بسبب رد فعل الطبيعة، التي يمكن ان تُحدث كوارث اقليمية لا تحمد عقباها ممكن أن يمتد تأثيرها الى الشرق الأوسط.
وعلى العراق إثارة هذه القضية بجدية في اية مباحثات أو مفاوضات مع تركيا وإيران وبيان مخاطر سدودها على سكان العراق، بالإضافة الى مطالبته بدراسات تحليل انهيار السد (Dam break analysis) للسدود المقامة على منابع نهري دجلة والفرات كون العراق يقع ضمن المنطقة المشمولة بتحليل مخاطر سيناريو الانهيار لهذه السدود وله حق المطالبة والدفاع عن سلامة مواطنيه. كما يجب على الحكومات المحلية القيام بكل ماهو ضروري ولازم لتفادي كارثة أكبر مستقبلا ناتجة عن الزلازل أو انهيار السدود الإيرانية أو التركية في المناطق النشطة زلزالياَ.