على بُعد ما يقارب 400 كيلومتر شمالي العاصمة النيجيرية نيروبي، يجتمع العديد من النساء النيجيريات اللاتي اخترن الهرب من جميع أنواع التعنيف الجنسي والجسدي، والعيش بعيداً عن الرجال، في قرية اخترن لها اسم “أوموجا”، وتعني “الوِحدة” باللغة المحلية هناك.
هذه القرية الصغيرة، التي كان يعيش فيها 15 امرأة فقط قديماً، أصبحت الحل أمام كل من تريد العيش بأمان أكثر، والتحرر من الخوف الذي يعيش بداخلها، بسبب وجود الرجال حولهن.
واليوم، جعلت النساء هذه القرية مزاراً سياحياً شهيراً في نيجيريا، يتراود عليها العديد من الزوار الذين يريدون اكتشاف حياة النساء بدون رجال، وكيف استطعن تأسيس نظام خاص بهن، ومشاريع صغيرة تمكنهن من كسب قوت يومهن وأطفالهن الذين يعيشون معهن في نفس المكان.
تأسست قرية “أوموجا” سنة 1990 على يد سيدة نيجيرية تدعى ريبيكا لولوسولي، بعد أن نظمت قافلة مكونة من 15 امرأة، وهن صديقاتها اللواتي تمكنّ من النجاة من اغتصاب جنود بريطانيين كانوا يعيشون بالقرب من قبيلة “سامبورو”، التي يعشن فيها، من أجل الاستقرار في مكان آخر بعيد عن الرجال.
وخطرت هذه الفكرة على ريبيكا عندما كانت تتلقى العلاج في المستشفى، بعدما تعرضت للضرب والاعتداء من قبل مجموعة من رجال القبيلة، الذين عاقبوها، وحاولوا تلقينها درسا؛ً لأنها تعرضت للاعتداء من طرف الجنود البريطانيين.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه القرية الصغيرة، الملاذ الوحيد لأي امراة تريد الهرب من تعنيف الزوج، او محاولات الاغتصاب، أو ختان الإناث الذي كان منتشراً بشكل كبير، وجزءاً من ثقافة قبيلة سامبورو.
إذ تحول هذا المكان إلى قرية صغيرة، ممنوعة بشكل كامل عن الرجال، تقوم فيها النساء بممارسة العديد من الأنشطة من أجل كسب المال، أبرزها تربية الماشية والدواجن، وصنع الحلي، أو قطع ديكور تقليدية، بشكل يدوي، وبيعها للزوار.
حسب تقرير نشرته صحيفة “theguardian”، تقول جين، وهي سيدة تبلغ من العمر 38 سنة، وتعيش في قرية “أوموجا”، إنها تعرضت للاغتصاب بشكل وحشي من طرف ثلاثة رجال مجهولين، عندما كانت ترعى ماعز زوجها وأغنامه وتحمل الحطب.
إذ إنها شعرت بالخجل والخوف من الحديث عما حصل لها، خصوصاً أن الجميع كان يسألها عن السبب وراء الجروح البليغة التي تعرضت لها، وكذا حالة الاكتئاب الشديدة التي تعيش فيها.
وتضيف جين: “عندما خبرت زوجي أنني تعرضت للاغتصاب، قام بضربي بالعصا، لذلك قررت الهرب والعيش في هذه القرية مع أطفالي“.
واليوم أصبحت هذه السيدة، واحدة من بين النساء اللواتي يعملن في تربية الماشية، ويعشن في سلام رفقة ما يقارب 45 امرأة أخرى، و200 طفل، من أبنائهن، دون رجال.
مساحة هذه القرية الممنوعة على الرجال ليست بالكبيرة، إلا أنها مناسبة من أجل النساء اللواتي اخترن ريبيكا لولوسولي رئيسة لهن، والشخص الذي يقوم بسن القوانين هناك.
وتم تحديد الأرض الخاصة بقرية “أوموجا” بسياج من الأشواك، يحرسها 3 رجال، تم تعيينهم من طرف ساكنات القرية، من أجل حمايتهن من محاولات الاعتداء التي تكررت بشدة من طرف الرجال غير الراضين على فكرة تخصيص مكان للنساء بعيداً عن قوانينهم.
وعند الدخول إلى “أوموجا”، تجد مجموعة نساء اللواتي يرتدين ملابس ملونة، تمثل ثقافة البلد، بعضهن يبعن الحلي الموضوع على حصائر على الأرض، وأخريات يقمن بتربية الماشية، فيما هناك جزء منهن يقمن برعاية الأطفال.
ومن بين المرافق المتاحة داخل هذه القرية، التي أصبحت سياحية بامتياز، هناك مدرسة خاصة من أجل تعليم الأطفال، ومركز صحي، ومركز خاص لتعليم الحرف اليدوية.
فيما يعمل بعض النساء، في عدة مناسبات، بتنظيم ورشات للنساء اللواتي يعشن في قبيلتهن الأصلية، من أجل توعيتهن حول حقوقهن، وكذا إثارة بعض المواضيع المهمة مثل الختان الذي يتسبب في تشويه أعضائهن التناسلية، وكذا التعنيف الأسري، والزواج في سن مبكرة.
خلال سنة 2020، قامت النساء اللواتي يعشن في قرية “أوموجا” بتقديم طلب من أجل تسجيل الأرض التي يعشن فيها باسمهن، من أجل ضمان حقهن في العيش هناك بشكل قانوني، دون محاولة طردهن من طرف أي شخص.
وهذا هو ما حصل بالفعل، لتكون هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها نساء من قبيلة “سامبورو” النيجيرية من الحصول على أراضٍ خاصة بهن، بعد أن كان الأمر محظوراً حسب القوانين التي وضعها الرجال هناك.
إذ إنه من بين القوانين الأخرى التي كانت سائرة في هذه القبيلة، هو إجبار الفتيات الصغيرات على الزواج من رجال يكبرونهن سناً، وذلك مقابل المال، أو قطيع من البقر، يقدم للأب.
وفي حال حدث الحمل، يكنّ مجبرات على الاحتفاظ بالطفل، وهن في سن صغيرة جداً؛ إذ إن أعمارهن لا تتجاوز 15 سنة، عندما يكن مجبرات على تربية أطفالهن، وكذا العمل في الأرض من أجل مساعدة أزواجهن.
واليوم هذه القرية غيرت كل هذه القوانين، وأصبح نساؤها يعشن بالطريقة التي تناسبهن. تقول ناغوسي، وهي امرأة في منتصف العمر ولديها خمسة أطفال: “لقد تعلمت أن أفعل أشياء هنا ممنوعة على النساء عادة، يُسمح لي بكسب نقودي الخاصة، وعندما يشتري سائح بعض الخَرَز مني، أشعر بالفخر“.
بالرغم من أن دخول الرجال إلى قرية “أوموجا” محظور بشكل كامل، إلا من طرف السياح، إلا أن هناك بعض النساء المتزوجات يعشن في هذا المكان الذي يضمن لهن حريتهن، وحقوقهن.
إذ إن البعض يتمكن من مغادرة القرية لبعض الوقت من أجل لقاء أزواجهن، ثم يعدن بعد ذلك إلى حياتهن التي يحكمها قانون وضعته النساء فقط.
ولهذا هناك ما يقارب 200 طفل يعيشون في هذه القرية، ففي حال كان ذكراً، يعود إلى قبيلة والدته الأصلية، من أجل استكمال تعليمه، بعد أن يصبح في سن لا تسمح له بالعيش مع النساء.
فيما يكون للفتيات حق الاختيار، سواء بالبقاء رفقة أمهاتهن، أو العودة إلى قبيلة “سامبورو” من أجل الزواج، وتأسيس عائلة.