متحف للفنون الشعبية في العاصمة الجزائر، متحف يخفي وراءه قصة تداولت عبر الأجيال عن بنت مَلَكَتِ القصر منذ زمن بعيد، لم تنل هذه القصة شهرة كبيرة في العالم، إلا أن سكان المناطق المجاورة لا يزالون يروونها إلى اليوم.
حسب الموقع الرسمي للعاصمة الجزائر، يقع قصر “خداوج العمياء” بحي القصبة أحد أقدم الأحياء الموجودة بالعاصمة، والذي يُعتقد أن تاريخه يصل إلى 25 قرناً، فيما تنسب معظم المصادر تاريخ بناية القصر إلى القرن الـ16، خاصة سنة 1570 على يد “يحيى رايِس” أحد ضباط البحرية العثمانية.
فيما تشير مصادر أخرى أن الشكل الحالي للقصر يعود إلى سنة 1792م، وشيد من قبل “حسان الخزناجي” أمين الخزينة في ديوان داي الجزائر آنذاك “محمد بن عثمان”، الذي قام بشرائه ليهديه لابنته “خَدَاوج” وهو اسم للدلع أطلق على ابنته الصغرى التي تدعى خديجة.
البنت المدَلَّلة صاحبة الأسطورة الشهيرة
جمعت القصة بين الواقع والخيال، إذ تنقلك أحداثها إلى أفلام الأميرات في الرسوم المتحركة، حيث يرتبط اسم القصر لليوم بصاحبة القصة خداوج بنت حسن الخزناجي، أمين خزينة الداي محمد بن عثمان ما بين سنة 1766 و1791 م.
لم تكن خداوج البنت الوحيدة لأبيها، فقد كان لها أخت أكبر تُدعى فاطمة، إلا أن خداوج كانت البنت المدللة لأبيها، فقد حظيت بحب شديد منه، كما اشتُهرت بجمالها وسط بنات سنها.
من بين الروايات التي تناولت قصة خداوج تذكر أولها أن والدها أهداها في أحد الأيام مرآة زجاجية قدمت من الهند، فأُعجبت بها الفتاة كثيراً، وأصبحت تستخدمها دائماً، لكن لسوء حظها انكسرت المرآة ودخلت شظايا منها إلى عينيها، ما تسبب في فقدان بصرها.
أما الرواية الثانية، فهي الأخرى ليست بعيدة كثيراً عن الأولى، حيث تضم نفس المرآة، تقول الأسطورة إنّ الوزير “حسان الخزناجي” أقام حفلاً في قصره، حضره عدد من الشخصيات المرموقة وسُفراء دول، فأراد أن يُقدم لهم شيئاً “يستدعي الإبهار”، فطلب من نساء القصر تزيين ابنته “خداوج” وإخراجها للزوار.
عندما خرجت إلى بهو القصر حتى يراها الضيوف، فإذا بالنساء الحاضرات “يسحرن” أمام جمال “خداوج”، فسارعت الفتاة إلى غرفتها لتتأكد من “جمالها الأخاذ” بنفسها، وعندما نظرت إلى المرآة التي أهداها إياها والدها “صُدمت من فرط جمالها، وأُصيبت بالعمى في تلك اللحظة”، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تُلقب بـ”خداوج العمياء“.
أما الرواية الأخيرة، فلا يوجد ذكر للمرآة بها، إذ يقال إن خداوج أُصيبت بالعمى، ولم يجد أي من الأطباء دواء لعلاجها، ما دفع والدها لإهدائها القصر لضمان مصيرها، عاشت في القصر إلى جانب ابني أختها “عمر ونفيسة”، اللذين اعتنيا بها إلى وفاتها، سمي القصر على اسمها بعدها.
في رواية أخرى يقال إن خداوج لم تكن عمياء بالمعنى الحرفي، ولكن الناس كانوا يقولون عليها ذلك، لأنها قامت ببيع الدار الذي أعطاها إياه أبوها لرجل يهودي، فسكان المدينة كانوا يقولون لها العمياء بحكم أنها أُصيبت بالعمى لأنها باعت دارها لشخص يهودي. بمعنى عمياء البصيرة.
حسب “alarabiya” أثبتت المراجع التاريخية ملكية القصر إلى أحد التجار اليهود ما قد يعزز الأسطورة الثانية، كما لم يتم العثور على أي آثار للمِرآة المذكورة في الروايتين الأولى والثانية.
تعاقب على القصر العديد من المالكين، بني القصر سنة 1570م بمبادرة من أحد ضباط البحرية العثمانية يُدعى يحيى رايس، إذ بني القصر على أنقاض زاوية “سيدي أحمد بن علي” ثم انتقل بعدها إلى ملكية عائلة خداوج العمياء.
فيما تبين بعض المراجع الأخرى أن القصر كان من ممتلكات “حسن الخزناجي” لدى الداي محمد بن عثمان، وبني سنة 1792، حيث اشترى حسن الخزناجي عدة بنايات محيطة بالقصر ثم ألحقها به، حسب ما أوضحت عمليات الترميم التي كشفت عنها تلك البنايات، وقام بإثرائه وتنميقه ليهديه إلى ابنته خداوج .
ثم انتقلت الملكية لأحد التجار اليهود ويُدعى “ميشيل كوهين بكري”، وبعد الغزو الفرنسي للجزائر سنة 1830م، تمت إزالة أصحاب المباني مقابل رسوم رمزية، وأصبح القصر مقر أول قاعة بلدية فرنسية في الجزائر العاصمة.
لحمَاية القصر قرر الرئيس الفرنسي نابليون الثالث وزوجته أوجيني الإقامة هناك من عام 1860م، وفي كل مرة يأتي الملك إلى الجزائر، كان يذهب مباشرة إلى هذا القصر.
لقَصر خداوج العمياء العديد من الأسماء منها “دار البكري” أو قصر الأميرة خديجة، كما يعتبر مكاناً أساسياً للذكريات والتأمل، بالإضافة إلى العديد من المواقع التي تشكل التراث الثقافي المادي للجزائر، كما أنه يقع في زقاق في القصبة السفلى التي تضم المتحف الوطني للفنون الشعبية، فيما يعتبر تذكاراً للأجيال المتعاقبة.
تحول القصر إلى متحف للفنون الشعبية، ويضم حالياً تحفاً وأثاثاً وصناعات تقليدية منها الجلدية والفضية، والتي تمثل عادات وتقاليد مختلف أنحاء الجزائر، ويوجد بالمتحف قسمان، أحدهما مخصص للأبحاث والحفظ والصيانة، حيث يتم من خلاله حفظ التحف، والآخر مخصص للنشاطات الترفيهية وتنظيم الزيارات.