ابعاد – اقتصاد
رغم استمرار التقلبات السعرية للنفط الخام في سوق متوترة وتتسم بارتفاع المخاطر الجيوسياسية، وسط بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة أثارت مخاوف من ركود عالمي محتمل، تتجه أسعار الخام صوب ارتفاع أسبوعي بسبب تقلص المعروض من إمدادات “أوبك +” علاوة على انخفاض مخزونات النفط الأمريكية.
وأصبحت مهمة توازن العرض والطلب في السوق النفطية دقيقة للغاية، حيث إن السوق تواجه ردود فعل ضخمة من التطورات الجيوسياسية وأحدثها وقف صادرات النفط الكردي من شمال العراق إلى تركيا الأسبوع الماضي، نتيجة لقرار تحكيم دولي لمصلحة الحكومة الفيدرالية العراقية.
وقال محللون نفطيون “إن توقف إمدادات كردستان العراق أدى إلى توقف 450 ألف برميل من صادرات النفط، ما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار النفط، وتلا ذلك التحرك المفاجئ من قبل (أوبك +) لخفض الإنتاج، ما دفع الأسعار إلى الأعلى بنسبة 6 – 8 في المائة أخرى في الأيام التالية”.
وأشار المختصون إلى أن رفع الفائدة الأمريكية المتكرر لمكافحة التضخم بات الهاجس الأكبر في السوق في هذه المرحلة خاصة في ضوء توقعات لبنوك دولية للنفط الخام بتجاوز مستوى مائة دولار للبرميل قريبا.
وفي هذا الإطار، يقول سلطان كورالي المحلل الألباني ومختص شؤون البنوك والطاقة “إن المعروض النفطي يتقلص في ضوء رغبة المنتجين في تعزيز الاستثمارات”، مشيرا إلى إعلان روسيا أنها ستمدد خفض إنتاجها البالغ 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية العام بالتوازي مع قرار “أوبك +” المفاجئ لخفض الإنتاج، إضافة إلى خسارة إمدادات كردستان البالغة 450 ألف برميل يوميا وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
ولفت إلى أن الصين ستظل هي مفتاح الطلب، لكن انتعاش الطلب هناك يتم بشكل تدريجي حيث إن البيانات الاقتصادية لا تعطي تقييما شاملا لوضع الطلب وتبقى أقل تأثيرا من المخاطر الجيوسياسية في الأسعار، لافتا إلى وجود كثير من المعنويات الصعودية في الأسواق عقب قرار “أوبك +”.
من جانبه، يرى أندرو موريس مدير شركة “بويري” الدولية للاستشارات أن قرار “أوبك +” الأخير يعكس رؤيتها الثاقبة والمستقبلية للسوق النفطية خاصة الشكوك المحيطة بنمو الطلب في ضوء الرفع المتكرر لأسعار الفائدة الأمريكية لمكافحة التضخم وعدم الثقة بانتعاش في الصين بالوتيرة المتوقعة سابقا في ضوء تقديرات تشير إلى أن بكين قد ملأت مخزونها بالفعل عندما كانت الأسعار منخفضة.
ونوه بأن السوق النفطية سجلت أكبر ارتفاع لأسعار النفط هذا العام في الأيام القليلة الماضية بعد خفض الإنتاج وارتفاع المخاطر وانقطاع إمدادات كردستان، لكن هذه المكاسب توقفت مؤقتا مع فشل سحب المخزونات الأمريكية في تهدئة المخاوف بشأن الطلب في ظل حالة من اقتصاد أمريكي غير مؤكد.
بدوره، أوضح أندريه جروسي مدير شركة “إم إم إيه سي” الألمانية أن مكاسب الطلب ما زالت محدودة، وهو الأمر الذي تعاملت معه “أوبك +” بخفض قياسي جديد، لافتا إلى تراجع مخزونات النفط الخام الأمريكية بنحو 3.7 مليون برميل الأسبوع الماضي وهو أقل مما توقع التجار سابقا، في حين أظهرت بيانات اقتصادية أخرى ضعف النشاط التجاري في الشهر الماضي.
ونقل عن شركة “سي إي بي سي” أنه من المرجح أن يتم كبح الارتفاع في أسعار النفط الخام بسبب البيانات والقراءات الاقتصادية الدولية الضعيفة، مع توقعات بأن يتفوق خام برنت على الأمريكي في الأداء على المدى القصير، حيث يظل الطلب الآسيوي قويا وتؤثر تخفيضات أوبك بشكل مباشر في دعم أسعار برنت.
وأشار إلى أن قرار “أوبك +” على ما يبدو استهدف المضاربين الذين يراهنون على المكاسب وهو في الوقت نفسه أعاد تنشيط حالة الجدل بين البنوك الاستثمارية الكبرى حول إذا ما كان النفط الخام يمكن أن يرتفع مرة أخرى إلى مائة دولار للبرميل.
من جانبها، أوضحت ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة “أفريكان إنجنيرينج” الدولية أن أسعار النفط الخام تلقت دفعة قوية في الأسبوع الماضي وربما تستمر تأثيراتها في الأسابيع المقبلة، حيث ارتفع النفط بأكثر من 20 في المائة منذ أدنى مستوياته في مارس الماضي وذلك أثناء وقوع الأزمة المصرفية الدولية عقب انهيار بنك سيليكون فالي، مشيرة إلى أن الأزمة المصرفية قلصت على نحو واسع الرغبة في الاستثمار في الأصول ذات المخاطر المرتفعة.
وذكرت أن المكاسب السعرية تعود إلى عدة عوامل وليس فقط إلى تخفيضات “أوبك +” حيث ترافق ذلك مع توقعات انتعاش الطلب الصيني بعد نهاية سياسة “صفر كوفيد” التقييدية الصارمة في البلاد، كما ساعد ضعف الدولار على تعزيز جاذبية السلع المسعرة بالعملة الأمريكية، لافتة إلى أن توقعات صدرت عن مؤتمر “سيراويك ” في الشهر الماضي في هيوستن تشير إلى أن أسعار النفط ستصل إلى مائة دولار للبرميل بحلول الربع الرابع من العام الجاري.
من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، تراجعت أسعار النفط الخميس 6 أبريل، إذ أثارت بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة مخاوف من ركود عالمي محتمل وتراجع الطلب، لكن أسعار الخام تتجه صوب ارتفاع أسبوعي بعدما أعلنت مجموعة “أوبك +” مزيدا من التخفيضات في الإنتاج، فضلا عن انخفاض مخزونات النفط الأمريكية.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 74 سنتا أو 0.9 في المائة، إلى 84.25 دولار للبرميل، ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 73 سنتا أو 0.9 في المائة، إلى 79.88 دولار للبرميل.
وارتفع الخامان بأكثر من 5.5 في المائة، هذا الأسبوع ليتجها صوب تسجيل مكاسب لثالث أسبوع على التوالي بعد أن أعلنت مجموعة “أوبك +”، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” ومنتجين مستقلين منهم روسيا، تخفيضات طوعية إضافية للإنتاج.
وكشفت بيانات حكومية أمريكية أن مخزونات الخام الأمريكية انخفضت 3.7 مليون برميل في الأسبوع الماضي، أي أكثر من المتوقع بنحو 1.5 مليون برميل.
من جانب آخر، استقرت سلة خام أوبك وسجل سعرها 85.49 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 85.50 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” أمس “إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق استقرارا عقب عدة ارتفاعات قوية سابقة، وأن السلة كسبت نحو ثمانية دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجل 77.53 دولار للبرميل.