أبعاد
أكد رئيس الجمهورية في مقال نشر في صحيفة The National))، اليوم الجمعة، انه يجب أن يكون مؤتمر الأطراف في دورته (28) منعطفاً نحو العمل الجماعي في المنطقة والعالم”.
وقال رشيد بحسب المقال: “يُقال إن جنة عدن كانت موجودة في مكان ما بين نهري دجلة والفرات في العراق. على مدى القرنين الماضيين، أبدى المغامرون الأجانب إعجابهم بالممرات المائية والأهوار التي خُلدت في ملحمة جلجامش، ووجود جاموس الماء، والخنازير البرية، وثعالب الماء، والبجع، وأسراب الطيور، إضافة إلى الأسود.
في عام 2016 تم إدراج الأهوار في جنوب العراق على لائحة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو، تلك الأهوار في خطر جسيم الآن، ولكن لم يفت الأوان بعد.
بينما يجتمع قادة العالم في دبي لحضور مؤتمر الأطراف( 28)، من واجبنا الانخراط في عمل جماعي ضد تهديد يلوح في الأفق. تغير المناخ بالنسبة لمعظم دول الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق، سيصبح هو التحدي الأكبر في حياتنا.
إن الارتفاع الحاد في درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار والانخفاض السريع في الأراضي الصالحة للزراعة وتفاقم الجفاف والتصحر والأنظمة البيئية المتغيرة جذريا والهجرة الجماعية بسبب التغير المناخي ستكون في المستقبل القريب ظروفا واقعية إذا لم يتم اتخاذ خطوات منسقة اليوم نحو إيجاد حلول طويلة الأجل.
لقد تسببت الظواهر الجوية المتطرفة في العراق بالفعل في تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك إنشاء جيوب محلية وبؤر من الفقر تؤدي إلى زيادة مستويات الفقر وزيادة الهشاشة الاجتماعية في البلاد.
لنكن واضحين، لا يمكن معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ بمعزل عن الآخرين ولا عن طريق إيجاد حلول سريعة، ولن تأتي الدول الأجنبية لنجدتنا. مع ذلك أعلم أنه يمكننا إحداث فرق وتحقيق النتائج المرجوة، يبدأ هذا بمشاركة العراق الكاملة في الجهود المبذولة للحد من آثار تغير المناخ من خلال المشاركة الكاملة في عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول عملية تغير المناخ (UNFCCC).
نظرا لعدم اهتمام النظام العراقي السابق بالبيئة، فإن العراق تأخر في الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وذلك بسبب إهمال النظام السابق للبيئة، إلا أننا مصممون على المضي قدما وبخطوات متسارعة لكي نقوم بما يجب علينا، لقد صادقنا على اتفاق باريس للمناخ، وقدم العراق وثيقة مساهمته المحددة وطنيا. وفي حين أن الدول الغربية يمكنها تنحية السياسات البيئية المحلية جانباً خلال فترات الانكماش الاقتصادي، فإن العراق لا يتمتع برفاهية الانتقاء والاختيار عند تطبيق القواعد.
لا يمكن معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ بمعزل عن الآخرين ولا عن طريق إيجاد الحلول السريعة، ونحن ننفذ سياسات موجهة لمساعدتنا في الحد من تأثيرات التغير المناخي والتكيف على نحو أفضل وكما نسعى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وأهم عناصر هذه السياسات معروفة جيدا: زيادة تنويع الاقتصاد والتركيز على الاستدامة وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.
وبشكل ملموس وعلى سبيل المثال، أخذت وزارة النفط العراقية على عاتقها تقليل انبعاثات الغاز المصاحب في الإنتاج النفطي واعتماد محطات الدورات المركبة في توليد الكهرباء وبما يحقق الهدف الوطني في خفض انبعاثات غازات الدفيئة، ويمكن للاستثمار الدولي في الأسواق الناشئة مثل العراق أن يساعد أيضا من خلال أخذ التأثير البيئي في الاعتبار.
بالنسبة للعراق، فإن التهديدات المباشرة لتغير المناخ ليست سوى نصف الصورة، حيث يعتمد الاقتصاد العراقي إلى حد كبير على صادرات الوقود الأحفوري، وسيتأثر بشدة بتغير المناخ بشكل غير مباشر حيث يقلل الاقتصاد العالمي من اعتماده على تلك الأنواع من الوقود، وهذا هو الحال بالنسبة لجميع جيراننا الخليجيين – الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي- والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يدعو العراق جيرانه من دول الخليج إلى تشكيل فريق تفاوضي مُنسق في إطار عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من أجل التحدث بصوت موحد والتوصل إلى قرارات تُعّبر وتعّكس عن شواغلنا في المنطقة على نحوٍ أفضل. حيث ثبت نجاح ترتيبات مماثلة في مناطق أخرى، على سبيل المثال الرابطة المستقلة لبلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، التي انبثقت من المشاركة في مؤتمر دول الأطراف 18 في الدوحة في عام 2012، والتي كان تأثيرها على صياغة اتفاق باريس في عام 2015 جديرا بالملاحظة.
إلى جانب المفاوضات، يمكن للفريق أن يوفر الأرضية لوكالة إقليمية من شأنها أن تعزز التعاون في قضايا المناخ بين جميع دول الخليج، على غرار المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية ومقرها الكويت.
ثم هناك مسألة أزمة المياه، جميع دول الخليج تعاني من نُدرة المياه، ولكن يبدو أن أهوار جنوب العراق هي أكثر البيئات التي تعاني من الإجهاد المائي في منطقة الخليج، والتي كانت ذات يوم إحدى العجائب المائية، حيث كانت غنية بالحياة البرية، ولكن أصبحت الآن تعاني الجفاف والظمأ مما أفضى إلى اندثار الأشكال التقليدية للأنشطة الاقتصادية وفقدان سبل عيش السكان وزيادة ملحوظة في النزوح الداخلي والهجرة.
هناك عوامل متعددة وراء انخفاض معدلات تدفق المياه إلى الأهوار، تتراوح من اعتماد نُظم الري غير الكفوءة وإدارة المياه غير الفعالة إضافة إلى انخفاض تدفق المياه من دول المنبع (إيران وتركيا وسوريا) وذلك بسبب إقامة السدود في أعلى النهر.
إن العراق بصفته بلد المصب تأثر كثيراً بسبب أزمة المياه، وقد أدى بناء السدود على مجرى النهر في دول المنبع إلى فقدان ما يقرب من نصف إجمالي تدفقاته مقارنة بما كان عليه قبل بضع سنوات فقط.
يتعين على المفاوضين النظر في احتياجات وحقوق بلدان المصّب أثناء التفاوض حول التوزيع العادل والمعقول للموارد المائية بين دول المصب والمنبع. ومن هنا نشير إلى ما قام به أسلافنا في بلاد الرافدين حيث أوجدوا حلولاً لهذه الإشكالية قبل ٤٥٠٠ سنة وذلك بعقد أول اتفاقية لتقاسم الموارد المائية عن طريق التفاوض. ويسعى المجتمع الدولي الآن إلى محاكاة ذلك على الصعيد العالمي من خلال مجموعة من الاتفاقيات آخرها اتفاقية الحماية والاستخدام المستدام للمياه العابرة، والتي نعمل على اعتمادها وتفعيلها.
قد يبدو من الصعب تحقيق الأهداف المبينة أعلاه. ومع ذلك، هناك أمل، حيث رأيت الأهوار في جنوب العراق وهي تعود إلى الحياة بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة. وفي هذا السياق أذكر أنه في تسعينيات القرن الماضي، سارع نظام صدام حسين إلى تجفيف الأهوار في حملة وصفها آنذاك ماكس فان دير شتويل، وزير الخارجية الهولندي السابق ومقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في العراق، بأنها «جريمة القرن البيئية».
بالطبع، لم يهتم نظام صدام حسين بالبيئة. حيث لم ينضم العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فحسب، وبل لم ينضم أيضاً إلى اتفاقية التنوع البايولوجي، واتفاقية مكافحة التصحر، واتفاقية رامسار بشأن الأراضي الرطبة التي كانت ستحمي الأهوار.
ما يعطيني الأمل أن السنوات التي تلت نهاية النظام السابق، ومن خلال الجهود المتضافرة التي تبذلها الحكومة العراقية والمجتمع المدني والمجتمع الدولي، تم إعادة إحياء ما يصل إلى 75٪ من مساحة الأهوار في جنوب العراق، مما أدى إلى انتعاش ملحوظ للحيوانات والنباتات إلى حد ما، وشهدنا إعادة سكانها النازحين. رأيت ذلك بشكل مباشر عندما كنت وزيرا للموارد المائية في البلاد.
أنا فخور بما حققناه في ذلك الوقت. سيكون لدينا من الأسباب ما يجعلنا نشعر بمزيد من الفخر عندما ننخرط بشكل كامل وجماعي في التصدي للتحدي الأوسع نطاقا المتمثل في تغير المناخ.