صعدت حادثة رشق سيارة رئيس حكومة إقليم كردستان بالبيض في لندن من حدة التراشق الإعلامي القائم بين الحزبين الكرديين التقليديين، حول مسؤولية الأزمات التي تعصف بالإقليم منذ سنوات، فيما دعا نواب أكراد الحزبين للإعلان رسمياً عن تقاسم الحكم وفق نظام الإدارتين السابق، بغية تشخيص المسبب الرئيس لـ”سوء الإدارة” التي يعانيها الإقليم.
وفي زيارة كان بدأها يوم الاثنين الماضي أجرى خلالها لقاءات واجتماعات مع كبار المسؤولين البريطانيين على رأسهم رئيس الوزراء بوريس جونسون، تعرضت سيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إلى رشق بالبيض من قبل العشرات من أفراد الجالية الكردية احتجاجاً على الزيارة، رافعين شعارات مناهضة لسياسات حكومة الإقليم، وأطلقوا هتافات تدعو إلى الإفراج عن “المعتقلين من النشطاء والصحافيين في مناطق نفوذ حزب بارزاني”.
وتشهد العلاقة بين الحزبين الكرديين الحاكمين “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني صاحب النفوذ في محافظتي أربيل ودهوك، و”الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني المتنفذ في نطاق محافظة السليمانية وتوابعها، توتراً إثر خلافات محتدمة على عدة مستويات، تتصدرها أزمتهما المالية المتفاقمة منذ سنوات وصراعهما المحتدم على منصب رئاسة الجمهورية، إلى جانب خلافهما على إدارة وتقاسم الإيرادات وتقاطع مواقفهما من إجراء تعديلات على قانون الانتخابات البرلمانية في الإقليم، الذي بات يهدد بتأجيلها موعدها المقرر مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وفي الموقف الرسمي من حادثة الرشق في لندن، قلل الناطق باسم الحكومة جوتيار عادل من التداعيات، وقال للصحافيين يوم الجمعة إن “التصرف الذي ارتكب ضد رئيس الحكومة في لندن لن يكون له تأثير قيد أنملة وسوف نستمر”.
“انتقاماً للظلم”
الموقع الرسمي لحزب “الاتحاد” ضمن تغطيته الواقعة، نشر خبراً جاء فيه أن “الكرد في بريطانيا خلال رشقهم رئيس الوزراء بالبيض، أطلقوا هتافات منددة بسياسات رئيس حكومة الإقليم وملف المعتقلين من الصحافيين والنشطاء وحرية التعبير”، فيما تناولت بعض وسائل إعلام وحسابات في مواقع التواصل الاجتماع المقربة من الحزب الخبر باهتمام، وتداول بعضها مادة تتعلق “بفوائد البيض” وهو ما فسره مستخدمو المواقع بأنه “سخرية من الموقف الذي تعرض له رئيس الحكومة”.
نائبة عن “الاتحاد” في برلمان الإقليم اعتبرت الحادثة بأنها “جاءت انتقاماً للظلم والعنف”، وقالت روجان محمد كريم إن “مسرور بارزاني عمل منذ توليه رئاسة الحكومة على كبح الحريات والرأي باستخدام القوة والترهيب والضرب، خصوصاً في مناطق دهوك التي شهدت اعتقال ومحاكمة العديد من الصحافيين والنشطاء المدنيين، لكنهم لم يدركوا بأن الشعب إذا لم يستطع أن يطالب بحقه وحريته في وطنه، يمكنه أن ينتقم في دول أخرى”. وقالت إن “حادثة لندن كانت رسالة مهمة لكي يكف عن ممارسة سياسة الترهيب وقطع الأرزاق والعمل على توفير العيش الكريم للمواطن ومنحه الحرية”. مضيفة أن “آلافاً من شبابنا هاجروا بسبب السياسات الخاطئة للحزب الديمقراطي، خصوصاً في السنوات الماضية التي تولى خلالها مسرور رئاسة الحكومة، وهؤلاء اليوم أوصلوا رسالتهم إلى دول العالم، وانتقموا للعنف والظلم، الذي تعرض له الصحافيون والنشطاء في محافظتي دهوك وأربيل”.
من جهته أعلن زعيم “الاتحاد” بافل طالباني في بيان أصدره بمناسبة “يوم الصحافة الكردية” عن أسفه “لاستمرار اعتقال بعض المحكومين من الصحافيين والنشطاء في محافظة دهوك، والمسجونين تحت مبررات خرق القانون واستهداف القيم الوطنية”، مشيراً إلى أن “هذه الأفعال أعطت صورة سلبية عن إقليم كردستان لدى المجتمع الدولي”.
واعتقلت السلطات في أربيل ودهوك أواخر عام 2020 العشرات من الصحافيين والنشطاء المدنيين في أعقاب مساندتهم تظاهرات كانت شهدتها المدن الكردية احتجاجاً على أزمة المرتبات، وصدرت لاحقاً بحقهم أحكام وصلت إلى السجن لمدة ست سنوات قبل أن تخفف الأحكام لاحقاً. وكان بارزاني قبل أيام من المحاكمة اتهم المعتقلين بـ”التجسس” و”محاولة تخريب وتفجير والمساس بأمن الإقليم”، إلا أن الادعاء العام لم يشر في ملفات إحالة القضايا إلى تهم تتعلق بـ”التجسس”.
“تحريض مدفوع الثمن”
وكالة “باسنيوز” المقربة من بارزاني اتهمت “قوى الاتحاد والعمال الكردستاني والإسلامية الكردية المتطرفة بالوقوف وراء الاعتداء مقابل مكافآت مالية”. وقالت “واضح أن هؤلاء عاطلون عن العمل وقد وصل معظمهم أخيراً كمهاجرين إلى بريطانيا، وقد طالبوا بإطلاق سراح إرهابي من أحد سجون الإقليم متهم بالانتماء إلى تنظيم داعش يدعى إسماعيل سوسيي”، وتساءلت “كيف يمكن استقطاب جمهور في مدينة كبيرة مثل لندن في يوم عمل؟ هذا مستحيل”، مشيرة إلى أن “حزب الاتحاد ليس لديه الأعذار لارتكاب هذه الفعلة، لأنه منذ عام 1991 يتحمل في الأقل نصف المسؤولية في إقليم كردستان، واليوم يحاول التغطية على سرقته الإيرادات والمرتبات في ظل النقمة المتصاعدة لدى شعب السليمانية”.