يتجدد الجدل حول تزويج القاصرات في المغرب كلما برز مطلب حقوقي أو تقدم حزب سياسي باقتراح قانون يدعو إلى منع أو إلغاء هذا النوع من الزواج من “مدونة الأسرة” (قانون الأسرة)، وهو ما حصل أخيراً إثر تقديم حزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يقود الحكومة المغربية، اقتراح قانون يدعو إلى إلغاء كامل لتزويج القاصرات، وتحديد سن الزواج بـ 18 سنة من دون أي استثناءات، كما هو معمول به حالياً في المدونة.
وترتكز الدعوة الجديدة إلى إلغاء زواج القاصرات من المادة (20) من “مدونة الأسرة”، والتي تفيد بأن “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة من دون سن الأهلية، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع إلى أبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي”.
كما تقول المادة (21) من “مدونة الأسرة” في المغرب إن “زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وإن موافقة النائب الشرعي تتم بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد”، مضيفة أنه “إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الملف”.
تغيير الذهنيات
وقال القيادي والبرلماني في “حزب التجمع الوطني للأحرار” الدكتور محمد حنين لـ “اندبندنت عربية”، إن “الأصل في مدونة الأسرة المعمول بها منذ العام 2004 أنه لا يمكن تزويج الفتاة إلا بعد بلوغها سن الـ 18 سنة، وأن زواجها ما بين الـ 16 والـ 18 سنة يشكل استثناء لتقييده بشروط دقيقة”. وأضاف، “مع الأسف لوحظ التوسع في الاستثناء بسبب تزايد حالات الإذن بزواج الفتيات قبل بلوغهن سن الرشد، إذ أن الثابت من خلال تقرير النيابة العامة أن العدد ارتفع عام 2020 إلى حوالى 20 ألف حالة زواج”.
ورأى حنين أن “هذه الوتيرة أصبحت مقلقة للغاية لما يترتب عليها من آثار اجتماعية وخيمة، وبالتالي أصبح من الضروري تدخل المُشرع لوضع حد للاستثناء المذكور وتحديد سن الزواج بكيفية نهائية عند سن 18 سنة، ما من شأنه أن يحد من زواج القاصر التي ينبغي أن تكون في سن الـ 16 و الـ 17 وحتى الـ 18 سنة على مقاعد المدرسة أو في معهد للتكوين المهني، وليست ربة بيت”.
وتابع، “لا نضج الفتاة الأنثوي ولا بنيتها الجسدية ولا قدرتها الذهنية تسمح لها بالمعاشرة الزوجية وتحمل مسؤولية الزواج، فلا أحد منا يقبل اغتصاب طفولة ابنته أو أخته بتوريطها في زواج يعلم مسبقاً أن مآله الفشل”.
وجواباً على سؤال “هل يكفي إصلاح القانون للحد من ظاهرة تزويج القاصرات؟”، أكد حنين أنه يستبعد ذلك كون أن التقييد القانوني سيدفع إلى ابتكار وسائل بديلة تؤدي إلى استمرار الظاهرة بأشكال وممارسات مختلفة”، مشدداً على أن “التحسيس والتوعية مسألة أساس لتغيير الذهنيات وتطوير العقليات التي لا زالت حبيسة العادات والتقاليد في عدد من مناطق البلاد”.
محاربة البيئة الحاضنة
بدوره، اعتبر مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري أن “تزويج القاصرات في المغرب يعد أزمة مجتمعية عميقة تتداخل فيها عوامل ومسببات مؤثرة عدة التي لا يمكن إغفالها”.
ومثل النائب حنين رأى الخضري أن “الاكتفاء بمنع توثيق الزواج بالنسبة إلى القاصرات ليس حلاً كافياً على المدى القصير أو البعيد بل يفاقم الوضع، على اعتبار أن الأسر في البوادي والأرياف النائية تزوج بناتها، وبعد مدة ليست بالقصيرة توثق العلاقة الزوجية”.
وأشار إلى أنه “يجب البحث عن جذور المعضلة المتمثلة في التهميش الممنهج الذي تعيشه تلك الأسر، والذي تكون ضحيته بالدرجة الأولى الفتيات الصغيرات اللواتي يتم تزويجهن باكراً، حتى تكرس هذا العرف في مجتمع المهمشين”.
ومن أجل التصدي لتلك الظاهرة، تبعاً للمتحدث ذاته، “وجب العناية بهذه الشريحة من السكان وتوفير سبل الارتقاء بها وتوفير فرص العيش الكريم لأفرادها، بخاصة الفتيات، من خلال ضمان شروط النمو السليم والتعليم والتحصيل المعرفي، مما يؤهل الفتاة القروية لتتبوأ المكانة التي تليق بها في المجتمع بدل الإبقاء عليها في براثن الفراغ والتهميش والضياع”.
ولفت الخضري إلى أن “الظروف الصعبة تعتبر بيئة حاضنة لزواج القاصرات في المجتمع، لكن الاكتفاء بمنع تزويج القاصرات لن يكون له أثر ناجع في محاربة الآفة، لأن الأجدى هو استئصال البيئة الحاضنة لها”.
الاستثناء يتحول إلى قاعدة
من جهتها، شددت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبده على أن “فتح الباب في مدونة الأسرة لحالات استثنائية غير صائب تماماً، لأنه صار باباً لشرعنة تزويج القاصرات”.
ووفق عبده فإن “الاستثناء المخصص في مدونة الأسرة عندما يتسع ليشكل نسبة ساحقة تصل إلى أكثر من 80 في المئة لا يعد استثناء”، رافضة القبول بهذا النوع من الزواج “بذريعة الفقر أو التهميش الاجتماعي، باعتبارها أوضاعاً اجتماعية تتحمل مسؤوليتها أطراف ومؤسسات عدة”.
وبخلاف إحصاءات سابقة للنيابة العامة في المغرب، تفيد أرقام وزارة العدل بأن زواج القاصرات تراجع، ففي العام 2019 وصل عدد زيجات القاصرات إلى 20738 عقد زواج، لينخفض في العام 2020 إلى 12600 عقد، مما يشكل 6.48 في المئة من مجموع عقود الزواج المبرمة.
وسجل المصدر ذاته أن سكان القرى هم أكثر من يطلبون زواج القاصرات بنسبة 67 في المئة، أي ما يصل إلى 21 ألف طلب، كما أن أكثر طالبي هذا النوع من الزواج في البوادي هم العاطلون من العمل، بنسبة ساحقة تبلغ 98 في المئة.
من جهته، أورد المجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة استشارية رسمية) أن 85 في المئة من طلبات تزويج الأطفال حصلت على ترخيص قضاة الأسرة بين عامي 2011 و2018.
ودعا المجلس ذاته في تقرير سابق له حول زواج القاصرات في المغرب، إلى حسم سن الزواج بـ 18 سنة من دون تخصيص استثناءات، وذلك من خلال مراجعة مدونة الأسرة، لا سيما المواد (20) و (21) و (22) ، بما يلائم مقتضيات دستور العام 2011.
ويعتزم وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي التقدم بتعديلات على مدونة الأسرة، من بينهما تعديلات على المادة (20) موضوع السجال، وعرضها بعد ذلك على القصر الملكي الذي ستكون له الكلمة الأخيرة لإقرار مثل هذه التعديلات، وفق ما صرح به المسؤول الحكومي نفسه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مجلس النواب.