يقضي أسباس درما، وهو لاجئ إريتري عمره 33 عاما يسكن في منزل مكون من عرفتين شرقي الخرطوم مع 12 آخرين من نفس جنسيته، جل يومه في البحث عن طريقة يعبر بها حدود السودان أملا في حياة أفضل، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد الذي لجأ إليه قبل 3 سنوات.
وتنطبق حالة درما على آلاف اللاجئين في السودان، حيث شهدت الأشهر الماضية تزايدا كبيرا في أعداد اللاجئين الأفارقة والعرب الذين غادروا السودان إما للعودة إلى بلدانهم الأصلية، أو عبور البحر المتوسط نحو أوروبا هربا من الأزمة الاقتصادية التي انعكست على وضعهم الإنساني، في ظل ارتفاع نسبة التضخم وتدني قيمة العملة المحلية.
ويصنف السودان من أكثر البلدان الإفريقية من حيث استضافة اللاجئين، حيث يستضيف نحو 1.3 مليون لاجئ معظمهم من إثيوبيا وجنوب السودان وإريتريا والصومال وإفريقيا الوسطى وتشاد، إضافة إلى اليمن وسوريا وبعض البلدان الأخرى، ويعيش 70 بالمئة منهم خارج معسكرات اللاجئين.
ومع تزايد الأزمة الاقتصادية وتعقد أوضاع اللاجئين، ناشدت وكالات الأمم المتحدة في السودان المانحين الدوليين لزيادة التمويل والمساعدات الإنسانية، ودرج المانحون الدوليون على توفير أموال الاستجابة الإنسانية في حدود مليار دولار سنويا، لكن هذا التمويل تناقص في الفترة الأخيرة.
وقال موظف في مفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة “مكتب السودان” لموقع “سكاي نيوز عربية”، مشترطا حجب اسمه، إن المكتب الأممي يتلقى آلاف الطلبات شهريا لتوفير الإعانات إلى جانب طلبات الهجرة إلى دول أخرى، مشيرا إلى “رغبة ملحة في أوساط اللاجئين لترك السودان نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية”.
ويقول آر تسفاي، وهو لاجئ إثيوبي يعمل حارسا لمبنى وسط الخرطوم لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الوضع الاقتصادي أجبره على التفكير في العودة إلى بلاده التي تركها بحثا عن مستقبل أفضل.
ويضيف: “كنا نحصل على إعانات مالية من الأمم المتحدة لكنها توقفت منذ عدة أشهر، وأواجه مشكلة في توفير المصروفات اليومية في ظل تدني الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة”.
ووضعت الأزمة الاقتصادية في السودان حياة مئات الآلاف من اللاجئين على المحك في ظل شح سوق العمل، ويتزايد الأمر تعقيدا إذ أن أغلب اللاجئين هم من الأطفال والنساء، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وهناك تباين وسط اللاجئين الذين فروا إلى السودان من بلدانهم، فبعضهم مضطر للبقاء في هذا البلد لشعورهم بالأمان الاجتماعي، لكن على المستوى الاقتصادي سيضطرون للمغادرة خاصة مع ارتفاع عدد الجوعى.
وحسب توقعات منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة، فإن 18 مليون من مجمل سكان السودان البالغ عددهم نحو 40 مليونا السودان يواجهون خطر الجوع.
وتقول عواطف إدريس وهي خبيرة في منظمات دولية معنية باللاجئين إن السودان يتميز بسهولة الإدماج الاجتماعي ما جعل مئات الآلاف من اللاجئين من دول الجوار يفضلونه على البلدان الأخرى.
لكنها أضافت في حديثها لموقع “سكاي نيوز عربية”: “هذه الميزة لم تعد مغرية للاجئين مقابل الأزمة الاقتصادية وشح الدعم الدولي المقدم إليهم” حسب قولها.
وتقدر أعداد اللاجئين الذين غادروا السودان في العامين الأخيرين بـ250 ألفا، اتجهوا إلى مصر وإثيوبيا وجنوب السودان وكينيا وأوغندا وإريتريا، ولفتت الخبيرة إلى أن أعداد قليلة تمكنت من الانتقال إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا.
وتقول عواطف إدريس إن “المجتمع الدولي لم يعد مكترثا لأزمة اللاجئين في السودان أو إفريقيا نتيجة تقدم ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لصناع القرار دوليا، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا وشبح الأزمة الغذائية التي تهدد العديد من الدول بسبب تداعيات هذه الحرب.
وتضيف: “من الطبيعي أن تخرج من منزلك هربا من الحرب والقصف، وتلجأ إلى بلد مجاور لكن لا يمكنك البقاء فيه بلا مال وعمل”.