توقعت هيئة الأرصاد الجوية في بريطانيا درجات الحرارة في يوليو/تموز عام 2050، لكن المفاجأة أن تلك الارتفاعات القياسية أصبحت واقعاً فعلياً هذا الشهر، فهل يدفع الكوكب ثمن التغير المناخي أسرع بكثير مما توقع الخبراء؟
ويشير مصطلح التغير المناخي إلى التغيرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغيرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مُسببةً فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة، وربما في الأماكن نفسها؛ مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه.
وعلى الرغم من أن تحذيرات خبراء الطقس من تلك التداعيات الكارثية بشأن التغير المناخي ترجع إلى عقود طويلة، فإن زعماء العالم وساسته لم يأخذوا تلك التحذيرات على محمل الجد إلا خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن أصبحت الفيضانات والسيول والعواصف والارتفاعات القياسية في درجات الحرارة بفعل الاحتباس الحراري الناتج عن تغير المناخ أمراً واقعاً ومتكرراً.
توقعات الأرصاد في بريطانيا بشأن طقس 2050
خلال صيف 2020، أصدرت هيئة الأرصاد في بريطانيا توقعاتها بشأن درجات الحرارة في البلاد خلال شهر يوليو/تموز عام 2050، وكانت تلك التوقعات على سبيل الافتراض بطبيعة الحال.
لكن المفاجأة تمثلت في أن النشرة الخاصة بالتوقعات المناخية للأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز الجاري، جاءت متطابقة تماماً مع ما أظهرته التوقعات بشأن الأسبوع نفسه من عام 2050، وبخاصة تسجيل درجات حرارة مرتفعة بصورة قياسية، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وكتبت هيئة الأرصاد البريطانية على صور توقعات الطقس لصيف 2050 عبارة “هذه ليست توقعات أرصاد حقيقية، بل توقعات افتراضية لصيف 2050″، لكن الصورة الخاصة بالأرصاد الجوية لهذا الأسبوع جاءت كما لو أنها نسخة متطابقة من النشرة الجوية الافتراضية نفسها، وذلك قبل 28 عاماً من تلك التوقعات، وهو ما يراه خبراء الأرصاد مؤشراً على مدى التسارع الذي يشهده التغير المناخي.
وكانت بريطانيا قد أعلنت السبت 16 يوليو/تموز، حالة الطوارئ العامة في البلاد، وذلك بعد صدور إنذار، من الدرجة الحمراء، لأول مرة، من موجة حرارة شديدة تضرب البلاد، وتوقع وصول درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC. ويشمل هذا التحذير العالي لمكتب الأرصاد الجوية البريطاني منطقة لندن ومانشستر ويورك ليومي الإثنين والثلاثاء 18 و19 يوليو/تموز.
ويعني هذا التحذير أن هناك خطراً على الحياة، وأن الروتين اليومي يجب أن يتغير. ومن المحتمل وضع قيود على السرعة على خطوط السكك الحديدية، كما سيتم إغلاق بعض المدارس مبكراً وإلغاء بعض مواعيد المستشفيات.
وعلى الطرقات، تخطط السلطات مساعدة السائقين بعد تحذير مركز الأنشطة الإقليمية من أن مزيداً من السائقين سيحتاجون إلى المساعدة مع ارتفاع درجة حرارة السيارات.
وبالإضافة إلى تحذير مكتب الأرصاد الجوية، أصدرت وكالة الأمن الصحي في بريطانيا تحذيراً على أعلى مستوى لهيئات الصحة والرعاية، من احتمالية وقوع مرضى ووفيات “بين الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة”. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إصدار تحذير من الحرارة من الدرجة الحمراء في أجزاء من بريطانيا، على الرغم من أن نظام التحذير من الحرارة الشديدة بُدئ العمل به فقط عام 2021.
وقالت الحكومة إن حالة التأهب يتم التعامل معها على أنها حالة طوارئ وطنية عامة، واجتمع المسؤولون الجمعة وسيجتمعون خلال عطلة نهاية الأسبوع لمناقشة الاستجابة.
صيف “حارق” في أوروبا
بريطانيا ليست الدولة الوحيدة في القارة العجوز التي تواجه موجة حارة غير مسبوقة، فحرائق الغابات مشتعلة بالفعل في فرنسا وإسبانيا وأجزاء من البرتغال، وسط ارتفاعات قياسية من الطقس الحار تجتاح حوض البحر المتوسط وامتدت إلى أوروبا المعروفة بطقسها البارد بشكل عام.
إذ شبت حرائق غابات في جنوب غرب فرنسا وإسبانيا السبت، مما أجبر آلاف الأشخاص على مغادرة منازلهم مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة الذي وضع السلطات في حالة تأهب في مناطق واسعة من أوروبا، بحسب تقرير لـ”رويترز”.
وقالت السلطات الإقليمية في بيان إنه تم إجلاء أكثر من 12200 شخص من منطقة جيروند الفرنسية بحلول صباح السبت، حيث يحاول أكثر من 1000 من رجال الإطفاء السيطرة على الحرائق.
وقال فينسينت فيريير، نائب رئيس بلدية لانجون في جيروند في مؤتمر صحفي “الحريق سيستمر في الانتشار ما دام لم يستقر”.
واجتاحت حرائق الغابات فرنسا في الأسابيع الأخيرة، وكذلك دولاً أوروبية أخرى من بينها البرتغال وإسبانيا، واشتعلت النيران فيما يقرب من 100 كيلومتر مربع من الأراضي في منطقة جيروند السبت، ارتفاعاً من 73 كيلومتراً مربعاً الجمعة.
وتعتبر تلك الموجة الحارة التي تجتاح مناطق واسعة من جنوب غرب أوروبا الثانية في غضون أسابيع، وهو أمر يرجعه الباحثون إلى التغير المناخي الذي من المتوقع أن يتسبب في ظواهر أكثر حدة، بحسب تقرير لموقع فرانس24.
ومنذ الثلاثاء قضت ألسنة اللهب على نحو 7,300 هكتار جنوب غرب فرنسا وأجبرت 10 آلاف شخص على إخلاء بيوتهم، جلهم من المصطافين الذين قرروا قطع إجازتهم بدلاً من البقاء في ملاجئ مؤقتة أقامتها السلطات المحلية. واندلع حريق في غابات الصنوبر بالقرب من “دون دي بيلات”، التي تضم أطول الكثبان الرملية في أوروبا، وتعد مصدر جذب للسياح.
والتهمت الحرائق 30 ألف هكتار من الأراضي هذا العام، وهي أكبر مساحة متضررة منذ حرائق 2017، التي أسفرت عن مقتل 100 شخص. كما اندلع حريق الخميس على الحدود الإسبانية مباشرة بالقرب من حديقة مونفراغ الوطنية، وهي محمية طبيعية تشتهر بالحياة البرية. وشهدت منطقة إكستريمادورا، حيث تقع المحمية، حرائق أتلفت آلاف الهكتارات هذا الأسبوع.
وقالت كارين، التي تسكن في المنطقة، للموقع الفرنسي، قبل صدور أمر الإخلاء الوقائي لقريتها “لم أر شيئاً كهذا من قبل، وينتابني شعور بأنها نهاية العالم”.
درجات حرارة قياسية في أوروبا
قامت البرتغال الجمعة برفع مستوى التحذير إلى الأحمر في خمس مناطق في الوسط والشمال. وتبقى البلاد تقريباً كلها تحت خطر اندلاع حرائق غابات أخرى في الوقت الذي يشارك فيه أكثر من 2000 رجل إطفاء في مكافحة أربعة حرائق في مناطق مختلفة. وكانت السلطات قد أعلنت في وقت متأخر الخميس عن مقتل شخص، وإصابة ستين آخرين، بالإضافة إلى إجلاء نحو 900 شخص من منازلهم.
وكانت البرتغال قد سجلت الخميس أعلى درجة حرارة في تموز/يوليو، وصلت إلى 47 درجة مئوية. أما في وسط إسبانيا فقد بلغت درجة الحرارة الـ45 درجة ونصف، أي أقل بقليل من الرقم القياسي المسجل في أغسطس/آب العام الماضي.
كما توقعت الجمعة الأرصاد الجوية أن تتجاوز الحرارة الـ41 درجة في أجزاء من البرتغال والـ44 في مناطق أخرى من إسبانيا. ويُتوقع أن تلامس درجات الحرارة في جنوب فرنسا الـ40 درجة مئوية الجمعة، وقد تتجاوز ذلك مطلع الأسبوع المقبل.
وفي الوقت نفسه، أصدرت هيئة الأرصاد الجوية البريطانية الجمعة أول تحذير “أحمر” بخصوص درجات حرارة استثنائية، وتوقعت أن تصل إلى مستويات قياسية الأسبوع المقبل. وأضافت أن هناك فرصة بنسبة 50% لتصل درجات الحرارة إلى 40 درجة لأول مرة الإثنين أو الثلاثاء، وهناك فرصة بنسبة 80% أن تتجاوز الرقم القياسي السابق في البلاد البالغ 38,7 درجة، والذي تم تسجيله العام 2019.
وفي إسبانيا، يكافح رجال الإطفاء لإخماد سلسلة من الحرائق اليوم السبت بعد أيام من ارتفاع درجات الحرارة على نحو غير معتاد، إذ بلغت 45.7 درجة مئوية. وتسببت موجة الحر التي استمرت قرابة الأسبوع في وفاة 360 شخصاً بسبب الحرارة، وفقاً للأرقام الصادرة عن معهد كارلوس الثالث الصحي.
وقالت أجهزة الطوارئ في ميخاس في تغريدة في ساعة مبكرة من صباح السبت، إنه تم إجلاء أكثر من 3000 شخص من منازلهم في المنطقة بسبب حريق غابات كبير بالقرب من البلدة الواقعة في إقليم ملقة ومن المقاصد الشهيرة للسائحين الأوروبيين.
وكان 2021 عام الطقس المتطرف، وسماه الأمين العام للأمم المتحدة بعام “تغير المناخ”، فالسيول ودرجات الحرارة المرتفعة والفيضانات والعواصف وحرائق الغابات من أستراليا لأوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا لم ينجُ منها أحد.
وبعد أن أصبحت صور الفيضانات والحرائق تتصدر عناوين الصحف حول العالم، سارع خبراء المناخ في الهيئة التابعة للأمم المتحدة بإصدار توقعاتهم الجديدة بشأن مستقبل الكوكب، وهي التوقعات التي مثلت “جرس إنذار للجميع”، بحسب وصف ألوك شارما، الوزير البريطاني، رئيس مؤتمر المناخ الذي استضافته غلاسكو.
إذ كان العام الماضي قد بدأ بحرائق الغابات في أستراليا، مروراً بسيل من الكوارث المناخية في أنحاء العالم، من الفيضانات في ألمانيا والصين إلى الحرائق الهائلة في أوروبا وأمريكا الشمالية، مروراً بموجات القيظ في كندا، ورغم ذلك يبدو أن زعماء الدول الصناعية قد فشلوا في الاتفاق على ما يحقق تخفيض الانبعاثات الكربونية قبل فوات الأوان.