سقط أول شهيد في الموسم الاحتجاجي الجديد بالعراق، بحسب ناشطين، إذ تجددت الاحتجاجات في ضاحية الوحدة، جنوبي العاصمة بغداد للمطالبة بتوفير التيار الكهربائي للمنازل، إذ انخفضت ساعات التجهيز في عموم أحياء العاصمة إلى 4 ساعات فقط في اليوم الواحد.
وتأتي هذه الاحتجاجات بالتزامن مع ارتفاع الحرارة التي تجاوزت 40 درجة مئوية، كما شهدت أحياء من محافظة واسط تظاهرات أدت إلى إصابة نحو 10 متظاهرين جرّاء تدخل قوات الأمن لفضّها بالقوة، وفتح النار على المحتجين، الأمر الذي قد يمثل مؤشراً على بداية لاندلاع تظاهرات جديدة.
وليلة الجمعة ـ السبت، انطلقت احتجاجات غاضبة في ناحية الوحدة ببغداد بسبب تردي واقع تجهيز الكهرباء، وتطورت إلى صدامات بين المحتجين والقوات الأمنية الأمر الذي أدّى إلى سقوط شهيد و9 جرحى، ما أدى إلى توتر الأجواء وخروج مئات المواطنين إلى الشوارع وأقدموا على قطع عدد من الطرق الرئيسة.
وأشعل المتظاهرون إطارات وأقدم آخرون على رمي الحجارة على قوات الأمن التي استخدمت الرصاص الحي لتفريق المحتجين، إلا أنها فشلت في ذلك، حتى فجر يوم السبت، وقد انسحب المتظاهرون متوعدين بالعودة مرة أخرى في حال لم تتمكن الحكومة من توفير الكهرباء للناحية.
وطالبت الحكومة المحلية في محافظة الديوانية جنوبي العراق بزيادة حصتها من الطاقة الكهربائية، في محاولة تهدف إلى الحيلولة دون تمدّد التذمر الشعبي إلى المحافظة.
وقال محافظ الديوانية زهير الشعلان: “يُفترض أن يصل إلى الديوانية 1200 ميغاوات من الطاقة الكهربائية وفق الحصة المقرّرة لها، إلا أنّ ما يردها من الطاقة حالياً، لا يتجاوز 400 ميغاواط”، لافتاً إلى قرب إجراء لقاء مع وزير الكهرباء لمناقشة واقع التيار وإمكانية زيادة حصة المحافظة من الطاقة.
وأغلق متظاهرون، الجمعة، الجسر الحديدي وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي البلاد، مطالبين بتوفير الخدمات، موضحين أنهم سيكرّرون احتجاجاتهم إذا لم يُستجَب لمطالبهم،كما شهدت منطقة البراضعية، في محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، أمس الجمعة، تظاهرة مطالبة بتحسين الخدمات تخلّلها حرق إطارات السيارات.
ودعا محافظ واسط، محمد جميل المياحي، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى الإشراف الشخصي على ملف الكهرباء، موضحاً في بيان أنّ ذلك يمكن أن يسهم في تلافي المشاكل المتكرّرة مع حلول كلّ صيف، التي تؤدي إلى عدم استقرار المحافظات.
وشدّد على ضرورة وجود توزيع عادل للطاقة الكهربائية بين المحافظات، لافتاً إلى وجود تمييز واستثناءات في حصص المحافظات على حساب محافظات أخرى، وهذا سيؤدي إلى مشاكل كبيرة، على حدّ قوله.
وقال المسؤول المحلي في ناحية الوحدة ببغداد سعد اللامي، إن “مناطق أطراف بغداد تعاني من نقص كبير في الخدمات، وتحديداً قلة ساعات توفير الطاقة الكهربائية للمواطنين، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة في البلاد”.
الاحتجاج ضد الحكومة التي فشلت في توفير الكهرباء بعد 18 عاماً على الاحتلال الأميركي، وطيلة السنوات الماضية يعاني العراقيون من هذه الأزمة التي تتنصل وزارة الكهرباء منها وجميع المسؤولين في البلاد، وكأنها لغز لا يمكن حله”.
في غضون ذلك، اعتبر عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، حادثة سقوط شهيد جديد في بغداد من المتظاهرين السلميين، من خلال دهسه عبر عجلة للقوات الأمنية، عودة لنفس السيناريو القديم”.
وأكد البياتي، أن “الحكومة العراقية تُكرر نفس أساليبها وسلوكها السابق، في التعامل مع المحتجين، كما أن استمرار تلكؤ الخدمات المقدمة للمواطن سيؤدي إلى استمرار الاحتجاجات وولادة عهد جديد من التظاهر”.
وأضاف: “الوضع الحالي في بغداد والمدن الغاضبة من تردي الواقع الخدمي يحتاج إلى غرفة عمليات لحل الأزمات، وليست عمليات أمنية لقتل المتظاهرين”.
من جهته، بيَّن سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، أن “مشكلة الكهرباء كانت دائماً هي الشرارة الأولى التي تدفع العراقيين للنزول إلى الشوارع، ويتذكر العراقيون الذين خرجوا في عامي 2014 و2015، أن معظم الشعارات كانت تهدف لتأمين التيار الكهربائي لشرائح المجتمع بدون استثناء”.
وأضاف، أن “تردي الواقع الخدمي واستمرار انفلات السلاح الذي يهدد السلم المجتمعي، إضافة إلى مواصلة بعض الجهات السياسية عقد صفقات فاسدة وعمليات الاختلاس من المال العام، كلها أسباب موجودة منذ سنوات، وقد تنذر بتجدد الاحتجاجات خلال الأسابيع المقبلة، لا سيما في شهر تموز الذي ترتفع فيه درجات الحرارة”.
وتابع فهمي، أن “التظاهرات إذا تجددت، فستشهد مشاركة شعبية قد تفوق ما حصل في “تشرين”، لأن الشعب العراقي بات لا يؤمن نهائياً بالوعود ويريد أن يرى إنجازات حقيقية لا إعلامية، كما أن التظاهرات إذا حصلت خلال الفترة المقبلة فستكون أكثر تنظيماً”.
ويتحدث ناشطون شاركوا في احتجاجات “تشرين” بالعاصمة بغداد ومحافظتي بابل وذي قار، عن استعدادهم للنزول إلى الشوارع والعودة لشغل الساحات والميادين، للمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية للعراقيين، وأهمها الكهرباء، والتأكيد أيضاً على المطالب التي استمرت لأجلها احتجاجات “تشرين”، ومنها محاسبة قتلة المتظاهرين ومحاسبة المقصرين في أداء مهامهم الحكومية وتحديداً الوزراء والمديرين في الهيئات المستقلة، وتأمين الأجواء الانتخابية للانتخابات المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
من جهته، قال الناشط في احتجاجات بغداد عمر محمد، إن “جميع مسببات تجدد الاحتجاجات في العراق متوفرة، وليس هناك أي مطلب نادت به تظاهرات “تشرين”، كما أن معظم المسؤولين في حكومة مصطفى الكاظمي يمارسون عمليات المماطلة، ابتداءً من ملف محاسبة قتلة المتظاهرين التي لم تتحقق لحد الآن، وليس انتهاءً بمعالجة أزمات الخدمات، بل إن الوضع في البلاد زاد سوءاً مع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الدينار العراقي”.
وأكد، أن “الناشطين أعادوا تفعيل ملف عودة الاحتجاجات، بالرغم من التهديدات الأمنية التي تمارسها الفصائل المسلحة والتيارات الدينية على المتظاهرين، إلا أنه الحل الوحيد الذي يمتلكه الشعب العراقي للحصول على حقوقه”.
وعزت وزارة الكهرباء العراقية، أسباب أزمة الكهرباء إلى عوارض فنية واعتداءات وصفتها بـ”الإرهابية”، حالت دون استقرارها.
وقال الناطق باسم الوزارة أحمد العبادي، إن “خطين أحدهما في شرق بغداد والآخر غربها تعرضا، في اليومين الماضيين، لعوارض فنية أدت إلى محدودية التجهيز في بعض المناطق، لحقها قيام عناصر إرهابية بعمل تخريبي طاول خط سد الموصل – القيّارة مما أثّر بشكل كبير في وضع المنظومة الكهربائية في محافظات عديدة ومن بينها العاصمة”.
وأوضح أن “التفاوت في ساعات التجهيز بين منطقة وأخرى يعود إلى كثرة التجاوزات على شبكات التوزيع والمناطق العشوائية التي تتسبب بضياع كبير في الطاقة”، مؤكداً أن “الوزارة ستدخل عدداً من الوحدات التوليدية الجديدة تصل طاقتها إلى 4 آلاف ميجاوات مطلع يونيو/حزيران المقبل”.