أبعاد- الكاتب: نجاح محمد علي
أثار لقاء رئيس جهاز المخابرات التركي مع خميس الخنجر في بغداد مؤخراً الكثير من التساؤلات التي ظلت حبيسة مجموعات محددة في الواتس آب ولم تخرج الى العلن.، يعتبر الكثيرون اللقاء رسالة واضحة من أنقرة حول طبيعة نفوذ تركيا في أوساط السياسيين السنَّة العراقيين.
سافر رئيس جهاز المخابرات التركي هاکان فیدان إلى بغداد يوم السبت من الأسبوع الماضي في أول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى إلى العراق منذ الهجوم التركي على شمال العراق في يوليو تموز الماضي ، والذي لم يُحدث أي توتر في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سوى تغريدات “غاضبة” ! .
في بغداد التقى فيدان رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لكن ما أثار التساؤلات اجتماعه بعدد من القادة السياسيين السنَّة برفقة رئيس ائتلاف السيادة السنَّي خميس الخنجر. وعُقدت كل هذه الاجتماعات دون إصدار بيان رسمي.
هذا على الرغم من حقيقة أن خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي ومعهم سياسيون سنَّة بارزون قد سافروا في العام الماضي إلى تركيا عدة مرات وعقدوا اجتماعين رسميين على الأقل مع الرئيس التركي ، رجب طيب أردوغان ورئيس الاستخبارات فقد لعب أردوغان وفيدان نفسه دورًا هامًا في إنهاء الخلافات بين الحلبوسي والخنجر وإجبارهما على تشكيل ائتلاف في قائمة للسنَّة موحدة.
رغم التعتيم ، فقد بحث فيدان الأزمة السياسية الحالية في العراق وسبل تجاوزها . كان لافتاً ، أن موقف تركيا من حل هذه الأزمة تمثل في العمل على محاولة لخلق حل وسط بين التيار الصدري والإطار التنسيقي لضمان مصالح القوى السياسية السنِّية .
منذ عام 2014 ، بدأت تركيا جهودًا مكثفة لترسيخ نفوذها المتزايد في العراق ، وخاصة داخل أوساط السنَّة ، وتحاول إعادتهم الى المشهد السياسي مثلما كان الوضع عليه قبل العام 2003 ، لكنها حرصت على أن لاتدخل في نزاع مع الشيعة العراقيين ، و أن لا تتحول هذه المنافسة إلى صراع بين تركيا وإيران اللتين تنخرطان في الكثير من الأزمات المشتركة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز .
عقب الاجتماع المثير للجدل بين فيدان وتحالف السيادة السنَّي ، التقى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ، خلال زيارته إلى أربيل ، مسعود بارزاني ، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وحليف آخر لتركيا.
كان لافتاً أن الاجتماع الذي ركز على سبل الخروج من الوضع السياسي في العراق لتقليل انعكاساته السلبية على الكرد و السنَّة،من خلال مواصلة الحوار بحجة تجاوز الخلافات والتوصل إلى حلول تفيد الأمة العراقية وتتبع الأساليب القانونية لتجاوزها والخروج من المرحلة الحالية حيث الانسداد الممزوج ببقع من الدم الذي سال خلال فتنة الخضراء ، ويهدد بالانفجار بعد زيارة الأربعين .
ما لفت الانتباه أيضاً وفتح الباب على مصراعيه للتفكير بنوايا الحزب الديموقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السنّي وهما ضلعان في مثلث التحالف الثلاثي مع التيار الصدري، أن الحلبوسي والبارزاني أكدا على أهمية إجراء انتخابات مبكرة بعد توفير المتطلبات القانونية القائمة على آليات دستورية قبل تشكيل حكومة جديدة بكامل الصلاحيات ويثق بها الجميع بخطة يتفق عليها الجميع.لكن من سيرأس هذه الحكومة ؟!
وتم التأكيد أيضًا، في هذا الاجتماع على ضرورة استمرار عمل مجلس النواب الحالي حتى موعد الانتخابات الجديدة .
وبحسب بيان مكتب رئيس مجلس النواب ، فإن الحاضرين في ذلك الاجتماع أعلنوا عن استعدادهم للمشاركة البناءة في تقارب وجهات النظر بين جميع الأطراف واتخاذ إجراءات تخدم المصالح الوطنية وتساعد على تهدئة المجتمع والمحافظة على أمن ومصالح المواطنين. كما أكد ائتلاف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني على استمرار التواصل والتنسيق المشترك وتبني المواقف المشتركة بما يخدم المصالح الوطنية العليا.وهذا يعني حوار يلد حواراً وإطالة الأزمة لتبقى حكومة تصريف الأعمال ويبقى الكاظمي ، وهذا ما شجع عليه فيدان .
عموماً يجب ملاحظة أن أنقرة في عهد أردوغان ، أظهرت أنها عندما تدرك أنها لا تفوز ، فإنها تغير إجراءاتها بمنعطفات فورية. لقد أظهرت تركيا أنها سيدة الانتهازية وقادرة على تحويل التهديدات إلى فرص .
إن زيارة فيدان لخميس الخنجر في مقر إقامته ببغداد بحضور عدد من نواب وقيادات ائتلاف السيادة السني حليف البارزاني الذي يملك علاقات متميزة مع تركيا في الاقليم الكردي ، يؤكدتنامي الدور السياسي لأنقرة التي تهيمن على علاقات نافذة مع عموم المكون السني نيابة عن الامارات والسعودية ، وبالجبهة التركمانية التي يتركز نفوذها في كركوك والموصل.
مع ذلك كان واضحاً أن التحالف الثلاثي ينسّق سياساته تحت الطاولة.. والبارزاني وتحالف السيادة السني لن يفرطوا بتحالفهم مع الصدر، إلا إذا سارت عملية تشكيل الحكومة بعد زيارة الأربعين بسلاسة، دون تحقيق شرط الصدر”الأهم، و المعلن، و هو اتفاقهم على أن يكون من يشكل الحكومة الجديدة هو مصطفى الكاظمي”…!
عندها فقط يمكن القول إن الخنجر الحلبوسي والبارزاني يدقون آخر مسمار في نعش تحالف (إنقاذ وطن) المهتم أساساً بتقليم أظافر قوى المقاومة الرئيسة: الحشد والفصائل.