أبعاد- كتب / حسن حامد سرداح
تقول الحكمة القديمة لا تمدحنّ امرأً حتّى تجرّبه ولا تذمّه من غير تجريب.. لا أعرف لماذا تذكرت تلك الكلمات خلال مشاهدة جلسة مجلس النواب التي سجلت انتخاب رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد وبعدها عملية تكليف مرشح الاطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة، وانهاء حقبة “سوداء” امتدت لنحو سنتين وخمسة اشهر، شهدت فيها البلاد والعباد تجربة لا يمكن وصفها باقل من “المريرة” بدايتها كانت من التخلي عن التعهدات وممارسة الكذب بطريقة مكشوفة وايصال المقربين لمناصب كانوا ينتظرونها بالاحلام فقط، حتى وصفت بانها حكومة الاصدقاء، وليس انتهاءً بمحاولة إشعال حرب اهلية للبقاء في كرسي الحكومة.
نعم.. حكومة ابو هيا التي فرضت علينا بحجة التغيير وانصاف شهداء تشرين وضحاياها، استغلت تلك الاهداف والمطالب لتمكين طرف سياسي محدد من السلطة وتسليمه مفاتيح اكثر الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تدر الاموال مقابل “الدفاع عن الحكومة الكارتونية” واطالت عمرها حتى وصل الحال بخروج رئيس حكومة تصريف الاعمال المنتهية ولايته علينا ليذكرنا بان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر هو سيد المقاومة والزعيم الوحيد الذي رفض استلام الوزارات كحصة لجناحه السياسي، حتى مرت الايام والشهور ليعترف بعدها قادة واعضاء التيار الصدري بارادتهم بان حصتهم من كابينة الكاظمي اربع وزارات، (الكهرباء، الصحة، الموارد المائية، المالية)، لنكتشف حينها وبشكل علني اول خديعة حاول ابو هيا تمريرها بطريقة “بهلوانية” لكنها كانت احدى الاسباب التي سهلت “النقمة” الشعبية ضده وخلقت منه “دمية” تحركها بعض الاطراف وخاصة بعد فضيحة رفع اسعار صرف الدولار وتجاهل النتيجة بارتفاع الاسعار في الاسواق لتنخفض بالمقابل القيمة الشرائية للمواطنين.
لكن.. القضية لم تختم بهذه الفضائح انما امتدت لمنح مستشاريه نفوذا واسعا وخاصة أحد مستشاريه، الذي تحول بين عام واخر إلى ملياردير ينافس اصحاب الاموال والمشاريع بطريقة “غريبة عجيبة” اسبابها يمكن تفسيرها بان السيد المستشار كان زميلا صحفيا يكتب المقالات ولديه برنامج سياسي “يتيم” بفضائية كانت تبث من إقليم كردستان، فكيف اصبح صاحب الكلمة العليا في توقيع العقود الحكومية والتوسط بتعيين المدراء العامين، ليتجاوز بعد ذلك بمنح أصدقائه المقيمين في أربيل “هبات” شهرية تتراوح من 2500 إلى 10 آلاف دولار، بحسب الجهد الذي يقدم لخدمة مكتب رئيس الحكومة وتلميع صورته والتغطية على “فضائحه”، وفي نهاية كل شهر تصل المبالغ لسوق القلعة في عاصمة اقليم كردستان وتحديدا في عمارة تجارية مخصصة لمكاتب الصيرفة وتوزع من هناك، حتى ان الصيرفة التي توزعها لا تذكر اسم المرسل في الوصل انما فقط المبلغ والجهة المستلمة.
لا تستغربوا فهي حكومة الكاظمي التي اصبحت المعجزات فيها حدثا عاديا، فمثلا تكلفة اثاث مكتب رئيس حكومة تصريف الاعمال يكلف الخزينة 70 مليار دينار، والاكثر غرابة ان تلك الاموال خصصت ضمن قانون الدعم الطارئ لدعم المواطنين في مواجهة ارتفاع الاسعار، هل هناك اكثر من هذه المعجزة التي تحققت على يد الكاظمي، الذي ادى دورا لا يقل خطورة عن دور ابن العلقمي في دخول المغول إلى بغداد واسقاط الخلافة العباسية، حينما امر بفتح ابواب المنطقة الخضراء امام المعتصمين من التيار الصدري وتسليمهم مركز السلطة التشريعية لتعطيل جلسات البرلمان والتغاضي عن الهجوم الذي كان يهدف لاسقاط المنطقة الخضراء، وتجاهل الصواريخ التي استمرت بالتساقط على المنطقة الرئاسية مع كل جلسة برلمانية واخرها خلال انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف السوداني بتشكيل الحكومة.
وبالعودة لجلسة البرلمان الاخيرة فان ماشهدته كان امرا ضروريا حتى لو تطلب المزيد من التنازلات التي تقدمها القوى السياسية بمختلف توجهات، لان ازاحة الكاظمي والجهة التي تحاول تمديد سنوات حكومته امر ضروري ولا يقل اهمية عن قيادة مرحلة التغيير، هنا.. قد ينزعج العديد من القراء ويجعلون حديثنا في خانة “المديح” لبقية الاحزاب السياسية، لكنها الحقيقة التي لا نستطيع تجاوزها، فالجهة الداعمة للكاظمي خسرت الجولة مبكرا بسبب ضعف تفكيرها السياسي وغياب العقلية الواسعة التي تستطيع المناورة إضافة لكثرة الاخطاء والاستعجال باتخاذ القرارات، بينما نجح حزب الدعوة بكسب جميع النقاط بعد تسجيله في قائمة الخاسرين، لكنه وبمناورة سياسية “ذكية” تمكن من جمع الفرقاء واعادة هيكلة التحالفات، كما فعلها سابقا في العام 2010، حينما خسر المنافسة امام اياد علاوي لكنه، عاد في وقت قصير ليكسب الرهان ويشكل الحكومة، ليكون الصورة الحقيقة للسياسة فهي فن الممكن واختيار التوقيتات المناسبة لتوجيه الضربات للخصوم، وليست الصورة “المهزوزة” والعقلية القاصرة التي يمثلها الطرف الاخر باستخدام ادوات التهديد والوعيد “الفارغة”، لكن هذا لا يعني وضع حزب الدعوة وحلفائه ضمن خانة الملائكة ابدا.. فهم شركاء بالفساد ويتحملون الجزء الاكبر من ضياع حقوق البلاد والعباد، فالنجاح بالسياسة لا يعني تحقيق العدالة المطلقة.
الخلاصة:.. ان حكومة السوداني امامها مهام كبيرة وقرارات تتطلب الجرأة في اتخاذها من دون الخضوع للمزاج الحزبي او المجاملات السياسية، حتى يضمن قيادة مرحلة التغيير وتجاوز سياسة “الفشل والمهانة” التي انتهجها سلفه، وبعكسه ستكون اقلامنا جاهزة والسنتنا كالسيوف باشطة “لفضح” الاخطاء والتنازلات التي قد تقدم على حساب خدمة المواطنين.. اخيرا.. سنودع الكاظمي وفريقه بسبع حجارات حتى تنتهي احلامه بالعودة للسلطة..