أبعاد- الكاتب: د. باسل عباس خضير
في بلدنا الذي سيبلغ عدد سكانه 42 مليون في نهاية هذا العام ( كما يقولون ) ، يعتمد في معيشة سكانه على مبيعات النفط الخام التي تشكل 95% او أكثر من مجمل الإيرادات ، وهي حالة ليست جديدة وإنما موروثة وتزداد تعقيدا عاما بعد عام ، وبلدنا لا يشكو من وجود الصناعة و الزراعة و السياحة وغيرها من موارد الإنتاج ولكنه يعتمد شبه كليا على الاستيراد للقصور او التقصير او الفشل في إدارة العديد من قطاعات الإنتاج ، وفي بلدنا تتواجد أعداد كبيرة من المناصب من درجة مدير عام إلى مستشار وخبير ووكيل وغيرها من التسميات والألفاظ والتي ما انزل الله عليها من سلطان و البالغ عدد شاغليها الآلاف بعضهم لانجاز الأعمال والبعض الآخر عبئا او على سبيل التشريف ، وابرز ما يميز إشغال المناصب تفردا عن كثيرا من البلدان ثلاثة أشياء ، أولها إن شغلها يقترن بالعديد من الامتيازات وثانيها إن التعيين والإعفاء فيها ومنها لا يستند إلى شفافية قابلة للقياس من حيث المواصفات وموعد انتهاء التكليف وثالثها إنها تشغل بالوكالة في اغلب الحالات ، ولغياب التعيين بالأصالة فمن باب التلطيف والتهذيب يجدون تسميات لإشغالها أما بصيغة التكليف او بتسيير الأعمال او ما يختارونه من مسوغات ، والمعيار المعلن في تعيين او تكليف العديد لإشغال المناصب هو الاستقلالية والكفاءة والنزاهة والاعتماد على الاختصاص ، وهي مسالة يمكن نفيها في العديد من الحالات لان الطائفية والانتماء والمحاصصة هي من المرتكزات التي تتم المطالبة بها علنا كاستحقاق في أكثر الاحيان ، وكما هو معروف للقاصي والداني فإننا نعاني من معيار الاختيار لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب مما يجعل البعض يعتقد إن ذلك هو بمثابة الفتيل الذي يشعل نار التخلف وتكريس الفساد بمختلف الأشكال والأنواع ، ورغم إن موضوع إشغال أكثر المناصب بالوكالة قديما في العراق إلا إنه تحول لحالة ملازمة لم يجدوا لها علاجا جذريا يثلج الصدور ، وهذا الموضوع ليس خافيا على احد فمن شدة الاهتمام به فقد اتفق من اتفق على وضع حد لإنهاء موضوع الوكالات وتوافقوا على تحديد مهلة لمعالجة الموضوع وادخلوه ضمن نصوص قانون الموازنة الاتحادية رقم 23 لسنة 2021 حيث نصت المادة 58 منه ( يلتزم مجلس الوزراء بإرسال أسماء المكلفين بمناصب رؤساء الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة ووكلاء الوزارات إلى مجلس النواب بموعد أقصاه 30/ 6 / 2021 ويلتزم مجلس النواب باتخاذ قراره بالتصويت خلال 30 يوم من تاريخ إرسال الأسماء ) ، وهذه المادة بقيت حبرا على ورق ولم ولوجها رغم تمديد سقفها الزمني لثلاثة شهور وبذلك انقضت سنة 2021 ولم يحسم هذا الموضوع لحد اليوم ، والنتيجة التي يتوقعها الكثير هو بقاء المناصب على حالها لكي تدار بالوكالة او التكليف او تسيير الأعمال او بما هو دارج من تسميات لان الأمر صعب وفيه كثير من التعقيد ، وفي ذلك ظلم للحقوق ومخالفة للدستور فبعض شاغلي المناصب اثبتوا الجدارة في الأداء ويستحقون أن يثبتوا بمناصبهم ومن حقهم أن يعلموا متى تبدأ ولايتهم الرسمية ومتى تنتهي ولكي لا يكونوا في حالة من عدم الاستقرار ، كما أن هناك ممن أشرت عليهم حالات من حيث عدم أهليتهم لإشغال ما يشغلوه او إنهم خارج الوصف والمواصفات ومن الضروري استبدالهم بمن هم الأجدر في أداء ما يتطلبه الموقع من مهام وواجبات ومبادرات ، وهو ما يعني بان وجودهم يشكل عبئا على الوظيفة العامة تنعكس سلبياتها على الدولة و الجمهور ، ومن الناحية القانونية فان استمرار المناصب بالوكالة يعد باطلا بعد 30 / 7 / 2021 لانتهاء المدة التي حددها قانون الموازنة والذي تم التصويت عليه من ممثلي الشعب ( مجلس النواب ) وهي قضية لم نسمع بتداولها او معالجتها فالتكييف كان يتطلب إصدار ما يشير إلى تأجيل العمل بهذه المادة او ترحيلها او حذفها من موازنة 2021 ، ومما لاشك فيه فان استمرار العمل بالوكالات ربما يشير لوجود قناعة لإبقاء وضع المناصب كما هو عليه من خلال إشغالها بالوكالات لتحقيق مزايا سياسية او ترقيعات رغم ما يتسببه بمجموعة كبيرة من التداعيات ، فالوكالة تتعرض بسهولة للتغيير وربما تؤدي إلى توطين التخلف والفساد وإحباط من لديهم القدرات على المبادرات والعطاء والإبداع ، وفي ظل ما تشهده المناصب من تأجيل عفوي او متعمد في حسم موضوع إشغالها بالوكالات ، فانه من غير المتوقع أن يحسم هذا الموضوع كليا وشموليا في الأمد القريب نظرا للعدد الكبير من المناصب التي تستوجب التغيير ، سيما وان البعض ينظر أليها كغنائم واستحقاق لا تقبل التنازلات بمعنى إن الموضوع سيبقى جرحا نازفا دون معالجات ويؤجل من حكومة لأخرى تجاوزا على الكفاءة والاستحقاق ، ورغم كل ذلك فان الكثير يأملون خيرا من حكومة السيد السوداني في وضع خارطة عمل لإنهاء الوكالات والتعيين بالأصالة ، مما يعطي الأمل بمعالجتها شيئا فشيء اقلها من باب الاحتفاظ بفريق عمل قادر على تنفيذ برنامج العمل الحكومي الذي من أولوياته الاستقرار والاستقلال في الإدارة وتحاشي التداخلات .