أبعاد- الكاتب- د.عبد القهار المجمعي
اشتعل النقاش في الآونة الأخيرة على ساحات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض لمحتوى درامي أذاعته منصة “نيتفليكس” الشهيرة. وللنقاشات المحتدمة دوائرها المختلفة، منها ما هو فني ومنها ما هو سياسي وغيره. وبينما يحق لأهل الفن –مثل الجميع- الإدلاء بآرائهم السياسية من قبيل الحرية، يحق هنا أيضًا طرح تساؤل مُلح حول إلى أي مدى يحق لأهل السياسة –بالمثل- الإدلاء بآرائهم حول المواد الفنية والدرامية؟! خاصة إذا كان الفن يستخدم، في أحيان كثيرة، كأداة للتوجيه الجماهيري.
وهو ما يقود هنا إلى محاولة التمعن بالبحث فيما يأخذنا إليه الجدل المثار مؤخرًا، للربط بين مصطلحات محددة تبدأ من عند لفظة “الماسونية”، مرورًا على “عبادة الشيطان”، وصولًا إلى الإجابة عن سؤال حول علاقة كل ذلك بسياسات الترويج للشذوذ الجنسي على المستوى الإعلامي الدولي.
موجز ما نعرفه عن لفظة “الماسونية”
تُفسر كلمة “الماسونية”، من كلمة “ماسون” والتي تعني البناء، مضافًا إليها باللغة الإنجليزية الكلمة التي تترجم بـ “حُر”، حتى تعني في النهاية لفظة “البناؤون الأحرار”. وعلى الرغم من أن العديد من الكتب والمنشورات خرجت الى النور لتتحدث عن تعاليم هذه الرابطة الغامضة، إلا أن حاجزًا كبيرًا من السرية لا يزال يحيط بالسواد الأعظم من تفاصيل الماسونية، التي تُعرف نفسها “للعلن” بوصفها حركة أخوية عالمية تستهدف استقطاب مشاهير وأغنياء العالم، وتسعى إلى القيام بنشر الأعمال الخيرية، وقيم وتعاليم الخير والصداقة بين الناس!
وترمز كلمة البنائين في تفسير لفظة “الماسونية”، إلى أن البناء الذي سيبنى هيكل سليمان، والذي من المفترض أن يُكلل جهود سيطرة اليهود على العالم. وهنا يطرح سؤال نفسه، هل هذه الحركة منبثقة عن اليهودية أم هي حركة تختص بعبادة الشيطان؟!
الأجوبة، في ضوء ما خرج إلى النور، ستتمثل في أن هذه الطائفة هي عبارة عن تداخل كثيف بين هذا وذاك، والأدلة على ذلك كثيرة، نسرد منها بادئ ذي بدء العلاقة بين اليهودية والماسونية. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن العقيدة اليهودية –كما هو معروف- تُفرق بين نوعين من البشر، اليهود من ناحية، وغير اليهود بأكملهم من ناحية أخرى. وغير اليهود تُطلق عليهم اليهودية “الجوييم”، وتتعامل معهم بوصفهم أناسًا ينبغي أن يظلوا خاضعين لسلطة اليهود وتابعين لهم وخادمين.
فقد جاء في سفر أشعياء (61/5 ـ 6): “ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم. أما أنتم فتُدعَون كهنة الرب تُسمَّون خدام إلهنا. تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمَّرون“. كما جاء في سفر ميخا (4/12): “قومي ودوسي يا بنت صهيون لأني أجعل قرنك حديدًا وأظلافك أجعلها نحاسًا فتسحقين شعوبًا كثيرين“.
وعلى هذا الأساس، تسعى الماسونية إلى محاربة كل العقائد التي عرفتها الإنسانية، وهو ما يفسر على سبيل المثال، غضب الكنسية على الماسونية ورفضها الدائم لهذا التيار الهدام الذي يسعى إلى نشر الإلحاد والإباحية بهدف إفساد أخلاق “الجوييم”، أي غير اليهود، الموصفين في القرآن الكريم بكلمة “الأميين”، في الآية 75، من سورة آل عمران،} ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ {.
نعود هنا لنذكر أن أغلب من كتبوا عن الماسونية، يعرفونها بأنها جزء لا يتجزأ من اليهودية. وقد ورد في صحيفة “لامارينا إسرائيليت”، العدد رقم 74 لسنة 1861، “إن روح الحركة الماسونية هي الروح اليهودية في أعمق معتقداتها الأساسية، إنها أفكارها ولغتها وتسير في الغالب على نفس تنظيماتها، وأن الآمال التي تنير طريق الماسونية وتسند حركتها هي نفسها الآمال التي تساعد وتنير طريق إسرائيل. وكانت صحيفة “لاتوميا”، الألمانية الماسونية قد أوردت في عدد 7-7 1928م، أقوالًا منسوبة إلى السياسي الألماني الشهير، “رودلف كلين”، “إن طقوسنا يهودية من بدايتها إلى نهايتها، ولابد أن يستنتج الجمهور من هذا أن لنا صلات فعلية باليهودية”.
ويقول الحاخام الدكتور، “إسحاق وايز”، في كتابه بعنوان “إسرائيليو أمريكا”، الصادر في 1866، “إن الماسونية مؤسسة يهودية، فتاريخها ودرجاتها وأهدافها ورموزها السرية ومصطلحاتها يهودية من أولها إلى آخرها”. ونشرت مجلة تُدعى “ذا جويش تريبيون”، أكتوبر 1927، مقالًا أوردت من خلاله أن “الماسونية قائمة على الديانة اليهودية، فإذا استؤصلت اليهودية من شعائر الماسونية ومصطلحاتها فما الذي يبقى بعد ذلك”.
وبالنظر إلى رمز حركة الماسونية، سنجد أنه يوجد هناك تشابه كبير بينه وبين النجمة الموجودة على علم دولة إسرائيل. ولطالما ارتبطت الماسونية بالرموز، والإشارات، وهي كثيرة، مثل الفرجار والزاوية اللذين يمثلان “الطبيعة الأخوية” للماسونية. أما العين داخل الفرجار والزاوية فتسمى “العين التي ترى كل شيء”، ويقول الماسونيون إنها تشير إلى الاعتقاد بـ “أن الله يستطيع أن يسبر ببصره أغوار قلوب وأنفس الناس”. وورد بالمجلد الثاني، ص 156، “إن شعار المحفل الماسوني البريطاني الأعظم مكون كله من الرموز اليهودية”.
ونقرأ في كتاب الاقتصادي الروسي، “أوليج بلاتونوف”، الصادر عن دار نشر “الرسالة الروسية” عام 2000، أن “الماسونية بكل مظاهرها هي عبارة عن مجتمع إجرامي سري، يُتابع أهدافه بتحقيق الهيمنة على العالم على أساس العقيدة اليهودية للشعب المختار”. وتابع “بلاتونوف”، “لطالما أدانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الماسونية، معتبرة أنها تنطوي على مظهر من مظاهر عبادة الشيطان. ولطالما كانت الماسونية ألد أعداء البشرية، وأخطرها لأنها حاولت إخفاء نشاطها الإجرامي السري بحجاب من الحجج الكاذبة حول تحسين الذات والعمل الخيري”. واختتم “بلاتونوف”، بأن قال “إن التأثير الماسوني هو أحد العوامل الرئيسة في كل الحروب”.
وعادة ما يلتقي أعضاؤها في أشياء تُسمى بالمحافل، بغرض إجراء طقوسهم والتخطيط والتكليف بالمهام الجديدة. وورد في موسوعة “الحركة الماسونية”، نسخة فلادلفيا سنة 1906، “إن كل محفل هو في الحقيقة والواجب رمز للهيكل اليهودي، وكل رئيس يعتلي على كرسيه يمثل ملكًا من ملوك اليهود، وفي كل ماسوني تتمثل شخصية العامل اليهودي”.