أبعاد
أبعاد الكاتب- محمد عبد الجبار الشبوط ||
مر وقت لا اعتبره قليلا منذ تشكيل حكومة السوداني التي اتخذت جملة قرارات واجراءات و صادقت على برنامجها الحكومي (لم اطلع عليه حتى الان)، ولكني لم اسمع حتى الان عن خطوات جادة بخصوص التربية الحضارية الحديثة لاطفالنا في المدارس الحكومية.
يقع ملف التربية الحضارية الحديثة في خانة الاهداف الستراتيجية بعيدة المدى لكل الحكومات العراقية. وهذا لا يعني ان يتاخر العمل بشأنه، انما يجب الشروع بذلك منذ الان. وتقع هذه الستراتيجية في محورين؛ الاول: الجوانب المادية مثل بناء المدارس الحديثة hardware . وقد جاء ذكر بناء المدارس في البرنامج الحكومي، ولست متأكدا اذا كان ضمن وصف “الحديثة” ام لا. والثاني: الجانب المعرفي والتربوي software. وهذا ما اركز عليه في طرحي لمشروع التربية الحضارية الحديثة. ذكرت اكثر من مرة ان هدف هذا المشروع هو بناء شخصية المواطن الفعال المواكب للعصر الحديث علميا ومعرفيا من جهة، والمتحلي بالصفات التي تحققها منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري من جهة ثانية، والذي يشكل اللبنة الاساسية في بناء الدولة الحضارية الحديثة من جهة ثالثة.
علما ان منظومة القيم هي مؤشرات وضوابط السلوك الحضاري للفرد والمجتمع والدولة.
و تتألف من منظومات قيمية فرعية تتعلق كل واحدة منها باحد عناصر المركب الحضاري الخمسة، اي: الانسان، الزمن، الارض، العلم، العمل.
و هناك منظومات قيم فرعية تغطي الواحدة منها احد مجالات الحياة مثل: القيم السياسية، والقيم الاقتصادية، والقيم الاخلاقية، والقيم الاسرية الخ
ويفترض ان النظام التربوي الحضاري الحديث الذي ادعو اليه يتكفل بتنشئة الطفل وتربيته على اساس هذه المنظومة ولمدة ١٢ عاما يتخرج بعدها من المدرسة وهو مؤهل لاداء وظائفه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغير ذلك بصورة حضارية حديثة. ويشمل هذا سلوكه الفردي، كما يشمل سلوكه في الوظيفة سواء في الدولة لو في القطاع العام، كما يشمل سلوكه في الاسرة والمجتمع، فضلا عن سلوكه السياسي في الانتخابات والتظاهر والعمل الحزبي، اضافة الى نشاطه العلمي والفكري والثقافي حسب الاختصاص.
ولتحقيق ذلك فانني اقترحت اكثر من مرة وقدمت المقترح الى رؤساء حكومات سابقة بتشكيل اللجنة الدائمة او المجلس الدائم للتربية الحضارية الحديثة الذي يقع على عاتقه تهيئة الجانب المعرفي والعلمي والقيمي من البرنامج التربوي فيما تقوم وزارة التربية بالاهتمام بالجانب المادي منه. وبينت تفاصيل هذا المقترح في الكثير من المقالات التي افترض انها وصلت الى المعنيين بالامر في الفرع التشريعي والفرع التنفيذي للحكومة. وكنت اكرر طرح الفكرة في كل مناسبة كما افعل الان، ومازال الامل يحدوني ان يسمع من بيده القرار الفكرة ويقرر المضي بتنفيذها وتحقيقها. ولكن دون جدوى حتى الان.
وكما قلت في مناسبات سابقة فاني اراقب واتابع خطوات حكومة السوداني عن كثب وبهدوء. ولم الحظ حتى الان انها اتخذت خطوة جادة بصدد هذا المقترح الحيوي. ولا يبرر الانشغالُ بامور اخرى اهمالَ هذه الفكرة لان تنشئة الجيل الجديد تنشئة حضارية حديثة هو المهمة الستراتيجية الاولى لكل من يتولى السلطة في البلاد. فالسنوات تجري، والاعمار تتوالى، والاجيال تتجدد، ولابد ان تولي الدولة هذه المسألة ما تستحقه من الاهتمام وتشرع بالعمل بالتوازي مع انشغالها بالاعمال الاخرى مما يندرج في قائمة المهام اليومية او العاجلة.
ان مشروع التربية الحضارية الحديثة يعالج ثغرة كبيرة تعاني منها الدولة العراقية على الاقل منذ عام ١٩٥٨ ان لم نكن قبلها، وما نشهده من مظاهر سلبية في المجتمع والسياسة والاقتصاد وغيرها هو من مضاعفات ونتائج هذه الثغرة.
ان مشروع التربية الحضارية الحديثة الذي اقترحه هو الطريق الوحيد لمعالجة الخلل الحاد في المركب الحضاري للدولة والمجتمع في العراق. وهو، اي الخلل الحاد، المشكلة الام لكل المشكلات التي نعاني منها.