أبعاد
الكاتب- نصير مزهر الحميداوي ||
الزواج آية من آيات الله في الكون لقوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) تعدد الزوجات، هو بمعنى زواج الرجل بأكثر من زوجة واحدة، وهو من الأمور التي تبحث في الشرع الإسلامي حيث أبيح فيه للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة ولا يزيد على أربع زوجات بالعقد الدائم، ويُشترط فيه القسمة بالعدل في المبيت بين الزوجات، ويترتب عليه بعض الأحكام الشرعية الأخرى مثل: اشتراك الزوجات في ميراثهن من الزوج بالثُمن إذا كان له ولد، والرُبع إذا لم يكن له ولد يقتسمنه بينهن بالسوية.
يحث الإسلام على الزواج وينهى عن التبتل، يقال: (تَبَتَّلَ عن الزواج: تركه زُهدًا فيه) والزواج من سنن الأنبياء والمرسلين فيقول الله في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد:٣٨
تعدد الزوجات نظام تفرضه طبيعة المصالح العامة للإنسان، رجلاً كان أو امرأة، بغض النظرعن السلبيات الموجودة فيه، وذلك لأن الإيجابيات التي يحملها تفوق ما يحمله من سلبيات، وهو ما يجعل مِن شرعيته أمراً ضرورياً، والدليل على ذلك أن التعددية، هي النظام الذي اعتمد في بناء العلاقات بين الجنسين في الماضي والحاضر، سواء أكان بشكل معلن وصريح أم بشكل خفي ومضمر، وكل ذلك يدل على وجود حاجة أصيلة إلى التعدد، قد يكون مصدرها داخل الإنسان كجسد، ونفس أو خارجه مثل ظروف خاصة بالرجل أو المرأة، كالعقم أو المرض وما إلى ذلك، وأصالة تلك الحاجة تجعل من اعتماد الوحدة سبباً للإنحرافِ ومصدراً لاستجلاب المشاكل وتعقيداً لحياة الإنسان بصورة تفوق ما يمكن أن يسببه التعدد.
هناك من يقول أن هذا الأمر يسبب ظلامة للمرأة ؟ لو كانت هناك ظلامة بهذا الشكل العاطفي يجعل من حق الرجل أن يعرض ظلامته إن كانت هناك ظلامة بنفس الصورة، فيقول الرجل: الرجل عليه أكثر مشاق الحياة عليه أن يكد ويتعب ليحصل على مبلغ من المال ينفقه على المرأة، ويتقاسم معها وينفق عليها وينفق على أطفاله وأطفالها في حين أن المرأة لا يجب عليها ذلك بل من حقها ان تطالبه بالغذاء مطبوخا لا أن تطبخه بنفسها وإذا أراد الاقتران بامرأة فعليه أن يبذل لها المال، وكم من رجل ظل سنين متطاولة لا يستطيع الزواج بسبب عدم قبول امرأة به، بسبب وضعه الاجتماعي او المالي او ما شابه ذلك، فهل تجدون خادما للمرأة فرضه الإسلام ليكرمها ويعينها على مصائب الدنيا أكثر من الرجل بل الاكثر من ذلك فرض عليه أن يدافع عنها ويحميها بل ويزهق روحه في المعارك بفرض الجهاد عليه دونها من اجل ان تعيش في بلد آمن خال من اطماع الاعداء.
نأتي الى طبيعة زواج المعصومين عليهم السلام في كونه حالة طبيعية أم يمثل حالة شاذة ؟ وقبل دراسة ذلك لا بد من أن نُشير إلى نكتة مهمة، وهي أننا إذا أردنا أن ندرس ظاهرة ما، لا بد أن ندرسها وفق ظروفها المحيطة بها، ووفق الحالة الإجتماعية التي نشأت فيها، وعليه فإذا أردنا أن ندرس ظاهرة تعدد الزوجات عند الرسول (صلوات ربي وسلامه عليه وآله) والأئمة عليهم السلام، فلا بد أن نلاحظ عنصري الزمان والمكان و نأخذهما في الاعتبار، لنرى هل كانت هذه الظاهرة هي الظاهرة الطبيعية أم لا؟ وليس صحيحا أن نحاكم الظاهرة على أساس الظروف والحالات التي نعيشها ونحن في الألفية الثالثة، وفي مجتمعات تختلف بالكامل عن تلك المجتمعات، فإذا تبين ذلكَ وتمت دراسة طبيعة زواج المعصومين عليهم السلام، سيتبين لكل منصف لبيب أن الرسول (صلوات اللهُ وسلامه عليه وآله) قد اكتفى بالزواج مِن خديجة عليها السلام فترة طويلة هي فترة شبابه (صلوات الله وسلامه عليه وآله) إذ لم يتزوج بامرأة أخرى مادامت هي على قيد الحياة، نعم بعد وفاتها عليها السلام تزوج بعددٍ من الزوجات الغالب فيهن نساء أرامل قد فقدن من يعيلهن ويقوم بإدارة شؤونهن، أو كان زواجه لمصلحةٍ تشريعية مثل الزواج من (زينب بنت جحش) وغيرِها.
أما أميرُ المؤمنين عليه السلام، فقد بقي على حياته الزوجية مع فاطمة الزهراء عليها السلام، و لم يتزوج إلا بعد استشهادها عليها السلام، وكذلك الإمام الحسن عليه السلام رغم الدعايات التي نسبت إليه الزواج مِن أعداد خيالية لا يمكن التصديق بها و الإذعان لها، وكذلك الإمام الحسين عليه السلام ومن بعده الأئمّة عليهم السلام فإن أكثر زوجاتهم هن أمهات أولاد، وهذه الظاهرة كانت طبيعية جدا في ذلك العصر وذلك المجتمع بل نرى أن الأئمّة المتأخرين عليهم السلام كان عدد زوجاتهم دون الحد الطبيعي، في الوقت الذي كانت ظاهرة التعدد شائعة ولا تجد رجلا يكتفي بزوجة واحدة أو زوجتين، على أنه تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه
الإشكالات التي يطرحها على الساحة في الآونة الأخيرة دعاة الحرية المزيفة، والدفاعِ عن حقوق المرأة، ومن سلك مسلكهم ممن يسمون بمثقفي العصر ممن تأثروا بالغرب وأسلوبه، أن مثل هذه الإشكالات المطروحة الآن لم يكن لها وجود في زمن النبي (صلوات اللهُ وسلامه عليه وآله) وزمن الأئمة عليهم السلام من بعده، مع وجود المتربصين بالدين الإسلامي من الكفار واليهود، والزنادقة، ونحوهم ممن كان ولا يزال يكيد للإسلام والمسلمين بوسائل شتى، فلو كان ثمة شيء في تعدد الزوجاتِ بقطع النظر عن شرعيته لاستغله هؤلاء المناوئون كما عرف عنهم، وهذا يؤيد أن ظاهرة تعدد الزوجات ظاهرة طبيعية، ثم إن جملة من العلماء والمفكرين في الآونة الأخيرة درسوا ظاهرة تعدد الزوجات بشكل عام.
من الفوائد الإيجابية لموضوع تعدد الزوجات هو حماية الأبناء من التشرد أو الضياع، ولكن كيف؟ حيث هناك بعض الزوجات اللواتي تعانين من الإصابة بمرض مزمن لا شفاء منه، وهذا في حد ذاته يعيق استمرار الزواج، فتقوم هي بنفسها بتزويج زوجها من امرأة أخرى، حتى تحافظ على استمرارية الأسرة دون حدوث طلاق، وخاصة إذا كان لدى زوجته الأولى أطفال لم تستطيع رعايتهم بسبب مرضها، فتقوم الزوجة الثانية برعايتهم بعد زواجها، والعمل على العناية والاهتمام بهم، كذلك يمنح الزواج الثاني للمرأة الأولى التي تعاني من مرض ما، هنالك سيدة اخرى تحرص على رعايتها، وهي في بيتها مع أولادها.
ووجد الباحثون أن الرجال في المجتمعات التي تبيح التعدد عاشوا أطول بمعدل 12%، وذلك مقارنة بالمجتمعات التي كان تعدد الزوجات فيها غير مسموح، وإحدى المقترحات لتفسير ذلك كان أن هؤلاء الرجال كانوا يحظون برعاية صحية أفضل من قبل زوجاتهم أو أبنائهم الكثر.