أبعاد
شهد العالم خلال العام الماضي موجات جفاف حطمت الأرقام القياسية في بعض المناطق، ليكون 2022 عام الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، حيث شهدت مناطق في أميركا الشمالية وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط والصين حالات جفاف واسعة النطاق في وقت واحد.
وهذه الحالات التي وصفت بأكثر حالات الجفاف انتشارا منذ عقود، سلطت الضوء على أهمية محاولة فهم أنماط حدوث هذه الموجات، خصوصا مع انتشار وتيرة موجات الجفاف السريعة كونها حالات مناخية يصعب التنبؤ بها أو التكيف معها.
ففي بحث نشرته نتائجه مجلة “نيتشر”، حلل الباحثون بيانات تمتد على أكثر من ستين عاماً في الفترة بين 1951-2014، تجمع بين عمليات مراقبة أجريت عبر الأقمار الاصطناعية وبيانات من الأرض بشأن رطوبة التربة.
وهذه الدراسة خلصت إلى أن الاحترار المناخي يسرّع في ظهور الظروف التي تسهم في حدوث موجات الجفاف السريعة فجأة، وأن انحباس الأمطار في مناطق معينة وزيادة التبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة، يميلان إلى تجفيف التربة بسرعة أكبر.
والمعد الرئيسي للدراسة شينغ يوان، وهو أستاذ في جامعة نانجينغ الصينية لعلوم المعلومات والتكنولوجيا، قال في مقابلة مع وكالة فرانس برس إن موجات الجفاف السريعة آخذة في الازدياد “خصوصاً في أوروبا وفي شمال آسيا وشرقها ومنطقة الساحل الإفريقي وعلى السواحل الغربية لأميركا الجنوبية”.
وشدد على أن هذه الظواهر “خطرة بسبب ظهورها السريع، ولكونها لا تترك وقتاً كافياً للاستعداد”.
كما تضع موجات الجفاف المفاجئة النظم البيئية في خطر، “إذ لا يكون للغطاء النباتي الوقت الكافي للتكيف”.
وأظهرت الدراسة أيضاً أن وتيرة حالات الجفاف التقليدية قد زادت بدورها في معظم المناطق، كما أنها تميل إلى الحدوث بسرعة أكبر.
احتسب الباحثون تأثير سيناريوهات مختلفة لانبعاثات غازات الدفيئة على حالات الجفاف السريع في المستقبل، بناءً على النماذج المناخية.
فإذا كانت الانبعاثات عند نفس مستوياتها، سيتعزز الاتجاه نحو مزيد من حالات الجفاف السريع في جميع مناطق العالم تقريباً، وإذا كانت مستويات الانبعاث أعلى، فسيزداد هذا الاتجاه أكثر في معظم المناطق، لكن إذا انخفضت هذه الانبعاثات فمن الممكن أن يتباطأ ظهور هذه الجالات المفاجئة من الجفاف السريع.
ومفهوم الجفاف السريع ظهر في بداية القرن الحادي والعشرين، لكنه حظي باهتمام أكبر منذ جفاف صيف 2012 في الولايات المتحدة، والذي حلّ بسرعة كبيرة وتسبب في خسائر اقتصادية تزيد عن 30 مليار دولار.
وقال الباحث في جامعة فاخينينغن في هولندا ديفيد ووكر إن “تحذير” معدي الدراسة “يجب أن يؤخذ على محمل الجد”.
وأشار في تعليق نُشر أيضاً في مجلة “ساينس” إلى أن المناطق المتأثرة بشكل خاص بالجفاف السريع تقع بنسبة كبيرة في بلدان منخفضة الدخل، حيث يفتقر السكان إلى الموارد اللازمة لمواجهة هذه الأحداث المناخية المتطرفة.
وستعتمد شدة التأثير على المحاصيل إلى حد كبير على وقت حدوث الجفاف، لا سيما إذا حصل ذلك في مواسم التزهير أو التلقيح، أو في وقت لاحق من العام.
ففي الوقت الحالي، تُنشر خرائط الجفاف غالباً مرة واحدة شهرياً، بحسب ديفيد ووكر. الذي قال إن “هناك حاجة إلى طرق للكشف عن الجفاف تعمل على فترات زمنية أقصر”.