أبعاد
اعلنت منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، اليوم السبت، عن نيتها اطلاق برامج لــ”الرعاية النفسية” في عدة بلدان أهمها العراق صاحب التعداد السكاني الكبير من الشباب، بحسب وصفها.
وقالت المنظمة خلال مؤتمر دول العشرين المقام في الهند، بحسب ما ترجمته “أبعاد”، ان “اليونسيف تهدف خلال الفترة المقبلة الى دمج الرعاية النفسية في برامجها في العراق والحرص على تجهيز الكوادر العاملة في البلاد والمعلمين بما يلزم للكشف عن المشاكل النفسية للشباب والعمل على انهائها”.
وأضافت اننا “سنقوم بالعمل على توفير اللازم من خلال دمج البرامج الحالية في العراق ببرامج رعاية نفسية تمكننا من دعم الافراد والشباب خصوصا ممن يعانون من الاكتئاب والمشاكل النفسية الأخرى”، بحسب وصفها.
وأشارت المنظمة أيضا الى انها “وبحسب تقرير اليو ريبورت الاممي، تعي تماما حجم المشاكل النفسية التي يعاني منها الشباب العراقي نتيجة لسنوات الحروب والصراع، مؤكدة انها تعمل الان مع “شركاء ومتبرعين على توفير منصات خاصة للشباب للتحدث بشان المشاكل النفسية التي يعانون منها ودمجهم في الجهود الدولية لمعالجتها”.
لسنواتٍ طويلة عاش العراقيون ظروفاً استثنائية تركت آثاراً عميقة في نفسياتهم؛ فمن حربٍ مع إيران إلى أخرى مع الكويت، ثم سنواتٍ طويلة من حصار اقتصادي خانق انتهت بحربٍ ثالثة أسقطت نظام صدام حسين. أعقبت ذلك حالة من الفوضى والتردّي الأمني لم يتخلص العراق منها حتى اليوم.
في هذه الأجواء، لا يكاد يوجد عراقي لم يتأذ بأعمال العنف التي عرفتها بلاد الرافدين؛ أصيب في انفجار أو خسر قريباً أو عاش في خوفٍ كبير بسبب غياب الأمن ونشاط الجماعات المسلحة، أو حُوصر في منزله يُعاني قِلة الرزق بسبب اجتياح الوباء مدينته.
هذه الأوضاع ازدادت سوءاً مع انتشار فيروس كورونا، الذي فرض قيوداً على الحركة وقتل الآلاف من الناس ما ضاعف من الضغوط النفسية على العراقيين.
بحسب دراسة تقصّت معدلات الانتحار في العراق خلال عاميْ 2015 و2016، فإن بلاد الرافدين شهدت 290 حالة عام 2015 زادت إلى 357 حالة في السنة التالية، واحتلّت بغداد والبصرة مركز الصدارة في معدلات الانتحار.
بهذه الأرقام، احتلَّ العراق المركز الخامس في قائمة أكثر الدول العربية التي يقدم مواطنوها على الانتحار. هذا النزيف استمرَّ في الارتفاع حتى بلغ العام الماضي معدل حالتيْ انتحار كل يوم.
وفي 2017، كشفت ميليسا روبيكون، الأخصائية النفسية في منظمة أطباء بلا حدود، أن كثيراً من الذكور العراقيين اشتكوا لها أنهم يشعرون بـ”عدم الفائدة وعدم الأهمية، وأنهم غير قادرين على تأمين معيشة عائلاتهم”، وهو ما يدفعهم للتعبير عن “توترهم النفسي من خلال التصرف بعدوانية”.
أما الفئات “الهشة” من الأطفال واليافعين فتلك التجارب القاسية تترك فيهم أذى نفسيا أكبر، قد يتسبب في الإصابة بصعوبات التعلم أو إدمان سلوكيات تشكّل خطراً على صحتهم.
وفي 2020، نشرت منظمة أطباء بلا حدود تقريراً عن الحالة النفسية للعراقيين أكدت فيه أنها رصدت “مستويات عالية جدا من القلق والاكتئاب والوسواس بين المرضى الذين كانوا يحاولون التعافي من آثار الحرب والنزوح”.
وبحسب التقرير، فإن معدلات القلق زادت من 45% إلى 68%، فيما زادت نسبة الإصابة بالاكتئاب من 10% لـ20%.
في نفس العام، أصدر مركز “البارومتر العربي” دراسة بحثية توصلت إلى أن العراقيين هم أكثر الشعوب العربية إصابة بالاكتئاب. وهو ما علّقت عليه صايمة زايي، مديرة نشاط الصحة النفسية لأطباء بلا حدود في الموصل، بأن العراقيين الذين يجاهدون للتكيُّف مع ظروف الحرب شعروا باليأس بعدما زادت أوضاعهم صعوبة بسبب انتشار فيروس كورونا.
هذه الأرقام المفزعة أكّدتها منظمة الصحة العالمية في تقريرٍ أصدرته في نفس العام، أوضحت فيه أن ازدواجية الحرب وكورونا أدّت إلى “تزايد الطلب على الخدمات النفسية” في العراق.
ووفقاً لدراسة “الطب النفسي العراق: التحديات والنتائج”، فإن تلك الإحصائيات تعكس فقط ما أمكن رصده من نسب المرضى، فقد تكون أعداد المصابين أكثر من ذلك، لأن العراقيين لا يزالون يشعرون بالعار من زيارة الطبيب النفسي، لذا فإنهم في بعض الأحيان يرفضون اللجوء إليه ويقاومون الاعتراف بأمراضهم.