أبعاد- تقرير
حظي العراق منذ استضافة بطولة خليجي 25 بمحافظة البصرة في 6 كانون الثاني من العام الجاري، بأولوية لدى الإعلام العربي والدولي في تغطياته المختلفة، إذ اهتمت وسائل الإعلام المختلفة بمجموعة من الموضوعات والملفات أبرزها ختام بطولة خليجي 25 المقامة في البصرة، وتلقى اشادات كثيرة من الدول لخليجية والإقليمية، اخرها قبل ساعات من ملك الأردن، ومن جهة أخرى بشأن الأزمة الأبرز في البلاد والتي أصبحت حديث الجميع وهي ارتفاع الدولار أمام الدينار، وجهت دعوات لفتح تحقيق مع الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي التي اتخذت قرار تغيير سعر الصرف في عام 2020.
وقبل ساعات، هاتف ملك الأردن عبدالله الثاني، اليوم الأربعاء، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، فيما أشاد بالتنظيم المتميز لبطولة خليجي 25.
وذكرت وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، أن “الملك عبدالله الثاني، أجرى اليوم الأربعاء، اتصالاً هاتفياً مع رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تناول العلاقات المتينة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، وآخر المستجدات الإقليمية والدولية”.
وأضافت أن “الملك، هنأ خلال الاتصال، رئيس مجلس الوزراء العراقي بفوز منتخب بلاده في بطولة كأس الخليج العربي 25، مشيداً بالتنظيم المتميز للبطولة التي استضافها العراق أخيراً”.
وفيما يخص أزمة الدولار وعدم استقرار أسعاره وغضب الشارع العراقي، دعا الخبير القانون علي التميمي، الأربعاء، الى فتح تحقيق مع الحكومة السابقة جراء التسبب في ارتفاع اسعار صرف الدولار وفق المادة ١٦٤ و١٨٠ من قانون العقوبات العراقي.
وقال التميمي في حديث صحفي، أطلعت عليه “أبعاد” إن “الحكومة السابقة كانت على علم بإجراءات البنك الفيدرالي الامريكي ولم تتخذ اي إجراء بشان ذلك وهذا ما أدى الى ارتفاع سعر الصرف”، مشيرا الى انه “من الضروري إحالة هذه القضية الى الادعاء العام من اجل التحقيق مع الحكومة السابقة ومحاسبتها في التسبب بازمة ارتفاع الدولار”.
وتابع، أنه “من الممكن ادانة الحكومة السابقة وفق المادة ١٦٤ و١٨٠ من قانون العقوبات العراقي جراء الاضراء في الاقتصاد العراقي”.
ولفت الى ان ” الحكومة السابقة ساهمت وبشكل كبير بانخفاض قيمة الدينار العراقي امام الدولار مما ادى الى حدوث ازمة خلل في الامن الاقتصادي”.
وكان النائب المستقل كاظم الطوكي قد اتهم في وقت سابق “الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي بانها فشلت في كل شيء ولا يمكن اطلاق اسم “حكومة” عليها وان سياساتها الاقتصادية هي من ساهمت برفع سعر الدولار”
وفي سياق ذاته، هاجم رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، اليوم الأربعاء، حكومة مصطفى الكاظمي لرفعها سعر الدولار، فيما رأى أن تهريبه لإيران يعد عاملا ثانويا لصعوده.
وكتب عبد المهدي، مقالا بعنوان “الدولار، ضريبة الأثرياء على الفقراء”، وأدناه نصه:
نقاشات كثيرة حول ارتفاع سعر الدولار. وبعجالة نذكر سببين رئيسيين.
1- إنّها ظاهرة عالمية. وهو السبب الأساس. فشهد الدولار تصاعداً ملموساً خلال (2022) أمام باقي العملات. وتراوحت النسب لأقل من (10% ) لكندا واستراليا والصين وماليزيا مثلاً، و (10%-20% ) لمنطقة اليورو، وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة واليابان، الخ، وحوالي (30%) لتركيا، و(40%) لمصر، فشمل الجميع من دون استثناء.
والسبب الأساس يرتبط بالتطورات العالمية الأخيرة، وتقدم الكثير من الاقتصاديات، أمام تراجع مرحلي وبنياني في الاقتصاد الامريكي. فلجأ “الفيدرالي” لرفع سعر الفائدة (7) مرات في أعلى دورة شهدها الدولار في تاريخه، من (0.75%-1%) في (اذار2022) إلى (4.25%-4.50%) في نهاية العام. بهدف إيقاف ارتفاع الأسعار وخفض التضخم إلى (2%).
سيرتد الاجراء على الدول جميعها. فالدولار برغم تراجعه في احتياطيات الدول من (75%) سنة (2000) إلى (58.8%) نهاية 2022، ما زال يشكل العملة العالمية الأولى بامتياز. إذ يتم التداول يومياً (اكرر يومياً) بما يقارب (6) ترليون دولار في شتى المعاملات. فـ”الفيدرالي” ليس البنك المركزي الامريكي فقط، بل هو ايضاً قيادة المصارف والاقتصاد الامريكيين، وقيادتهما بالتالي -منذ أربعينيات القرن العشرين- لشبكة المصارف والاقتصاديات العالمية. وإن ارتفاع سعر الفائدة سيؤدّي لسحب المزيد من الدولارات، وارتفاع كلف القروض، ليس امريكياً فقط، بل عالمياً ايضاً. فتولد زخماً هائلاً نحو الدولار وايداعه في مواقع مطمئنة لمالكيه. فتتحرك العوامل المحلية والخارجية، الفرعية والاساسية، السياسية والاقتصادية والمضاربة والنفسية، القصيرة والبعيدة الأجل، لطلب الدولار. وهو ما تشهده -بنسب متفاوتة- جميع البلدان، ومنها العراق.
هذه السياسة تعكس ايضاً أزمة النظام العالمي، الذي ندفع جميعاً أثمانها. فهي سياسة تسعى من جهة لتخفيف ضغط ارتفاع الأسعار على العائلة الامريكية لأغراض اقتصادية وانتخابية، لكنها بالمقابل مضطرة لتوفير سيولات يحتاجها الاقتصاد الامريكي، فيضطر لطبع المزيد من الدولارات بدون حقيقة اقتصادية موازية أو داعمة. ما يقود للمديونية التي تبلغ اليوم (31.5) تريليون دولار، وتمثل (135.2%) من الناتج الوطني، وتقول: هل من مزيد. فارتفاع سعر الدولار سيشجع الاستيراد ويضعف الصادرات الامريكية، ويزيد من أزمة تنافسية الاقتصاد الامريكي. وتبين الاحصاءات تراجع الصادرات الامريكية في الاقتصاد العالمي منذ (2000) من (12%) إلى (8%). فمعالجة العاجل على حساب الآجل، أمر يحذّر منه الكثير من الاقتصاديين والسياسيين الامريكيين أنفسهم.
2- إنّها ظاهرة محلية، فالعراق يعتمد في موارده على النفط اساساً، المرتبط بالدولار.كما أنه بسبب نمطية اقتصاده، يعتمد اساساً الاستيراد السلعي والخدمي (79.4 مليار دولار في 2021، بحسب منظمة التجارة الدولية لتمثل 24.2% من الناتج الاجمالي)، من دون ذكر المعاملات والتحويلات غير الموثقة. فمثلاً جاء العراقيون في المرتبة الثالثة في شراء العقارات التركية، بواقع (6241) عقاراً في (2022). وبحسبة بسيطة نتكلم عن حوالي المليار دولار، ستحوّل أغلب مبالغها بطرق ملتوية. وقس على ذلك.
يقول البعض : إنّ السبب الرئيس لما يجري هو لإيقاف غسيل العملة وتهريبها والعقوبات على إيران. ونرى في ذلك عاملاً ثانوياً أمام العاملين العالمي كأساس، والمحلي باعتبارنا اقتصادا ريعيا يعتمد على البترودولار والاستيراد. فتلك العوامل (التهريب والعقوبات) كانت موجودة قبل تخفيض سعر الدينار. ولتنشيط الذاكرة نشير إلى انه في (4/10/2003)، وهو أول يوم لتدخل المركزي العراقي -وإقرار مبدأ التعويم النسبي للدينار، بعد انتهاء نظام سعر الصرف الرسمي الثابت- قام البنك ببيع الدولار بــ(1920) دينار/دولار، مقابل سعر سوقي مقداره (2180) دينار/دولار. واستمرت سياسة المركزي بادارة الراحل الشبيبي ونائبه الأستاذ مظهر، ليستقر سعره الرسمي حول (1180) دينار/دولار، واستمر كذلك مع خلفهما حتى نهاية 2020. وخلال هذه المدة انخفض التضخم إلى رقم احادي واحد، بعد أن كان لمدة رقمين (60% احياناً)، واستقرت أسعار الأسواق إلى حد كبير، مع بقاء الكثير من الثغرات والسلبيات، والمسؤول عنها ليس السياسة النقدية فقط، بل مجمل السياستين المالية والاقتصادية.
إنّ الأزمة الحالية في دوافعها الداخلية ترتبط بقرار التخفيض غير الموفق في نهاية (2020) بمبرر توفير أموال لتغطية بعض عجز موازنة (2021) المقترحة عندما كان سعر النفط (50) دولاراً تقريباً. فاتُّخِذ القرار وأصبح نافذاً، بتأثيرات خارجية، ووجود ملكيين لدينا أكثر من الملك نفسه، فيبالغون في خوفهم واجراءاتهم. فتخفيض العملة خيار نوقش في حكومة الدكتور العبادي وحكومتنا، ورُفض لعدم واقعيته ومضاعفاته، برغم أن سعر النفط انهار لأقل من (30) دولارا/برميل يومها، وبلغ (17) دولارا/برميل احياناً، وهبطت احتياطيات البنك المركزي لحوالي (40) مليار دولار، وكانت العقوبات على إيران على أشدها، إضافة لبقية الضغوطات السلبية.
فالأزمة الحالية -إضافة للعامل الخارجي الأساس- هي أزمة سياسية ومرض اقتصادي داخلي. تتطلب معالجة جذرية للسياستين المالية والاقتصادية، وهما المرتكزان الاساسيان للسياسة النقدية.